لماذا هرب ربع السكان إلى الخارج
علي سعد الموسى
دعوني أبدأ بهذه الصورة البصرية الملفتة: من نافذة الخطوط السعودية في مطار أبها أشاهد للمرة الأولى في تجربتي مع هذا المطار ثلاث طائرات إماراتية ورابعة في وسطها في الطريق إلى القاهرة. أربع طائرات ستغادر إلى خارج الحدود في مقابل طائرة محلية واحدة في مطار، وأعتذر عن التوصيف، يعتبر من الدرجة الثانية. صورة صالة المغادرة الدولية بذات المطار بكل صغرها وضيق مساحتها تختصر في تلك اللحظة شيئاً من صورتنا الاجتماعية الكبرى في مجالات الترفيه والسياحة. الصالة باختصار لا ينطبق عليها أكثر من وصف المصطلح «هروب عبر عنق الزجاجة».
تعالوا إذاً لشرح بقية الصورة: يقول الخبر المكتوب على الشريط الإخباري لقناتنا الإخبارية الرسمية إن ما يقرب من أربعة ملايين غادروا إلى الخارج في إجازة عيد الفطر وحدها. ساهم في هذا الرقم الخرافي تمديد الإجازة لأسبوع إضافي، ولو أن القناة طلبت مداخلتي لما قلت بأكثر مما يلي: من سيبقى في البلد لو أن التمديد في الإجازة طال لأسبوعين إضافيين آخرين. هذا الرقم الهائل في أعداد الهاربين إلى خارج الحدود يحتاج إلى دراسة تتعدى تبريراتنا المكررة. لو قلنا إنها حرارة الجو وقدوم آب اللهاب فكيف نبلع صورة مدرج مطار أبها حيث الآلاف تقبل بزحامها على الهروب من الثلاجة إلى ما يشبه الفرن. كنت في الطائرة «المحلية» بجوار صديق نخبوي وقد أدهشته الصورة. قال لي: لو أن لدينا دور سينما لربما نقصت هذه الأعداد إلى النصف، تبرير مستنسخ وروتيني مكرر نسمعه منذ عشرات السنين لكنني غير مقتنع به.
أجابني: لكننا لم نختبر هذا التبرير بالتجربة والبراهين وخصوصاً أن ثلاثة أرباع تذاكر شبابيكها في المنامة ودبي بين أصابع سعودية.
في نهاية الحديث، التقطنا صوراً تذكارية للطائرات لأنها ولأننا في أبها لا في الرياض، الأرقام تقول إن ربع السكان قد «هجُّوا» في ظرف إجازة عيد الفطر. تذكرت المشهد والصور قبل أيام وأنا مثلكم أقرأ الأمر الملكي بإنشاء ناد للإبل وآخر للصقور، وللحق، فلي رأيي الشهير في هذه المناشط ومع هذا سأشربه بارداً إذا ما عرفت أن للإبل جمهورها العريض ومن حقهم تنظيم المسألة. أنا شخصياً لن أذهب إليها حتى لو «بركت» أجمل المجاهيم أمام بابي أو حامت أغلى الصقور فوق السطح. ولكن مثلما نعترف بحق هذه الشريحة سأطالب بحق شريحة أخرى في إنشاء ناد للفنون والسينما وبمجلس إدارة يضبط كل شروطه. من حق أولادي الثلاثة أن يشاهدوا فيلما نظيفاً ولو في خيمة على رأس الشارع لأنهم يذهبون إلى دارها في دبي مباشرة من صالة المطار.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2017/07/24