العلاقة الأردنية الأمريكية والاستخدام الصهيوني
فؤاد البطاينة
يصف الكثيرون طبيعة العلاقة بين الأردن وأمريكا بالإستراتيجية . وهذا الوصف لا يتفق مع الواقع لا نظريا ولا عمليا . فالعلاقة الإستراتيجية بين دولتين تكون تبادلية وتفترض الإرادة الحرة لكلا البلدين وتماثلا في نوع أو طبيعة النظامين ، وتقوم على أهداف استراتيجيه مشتركة بينهما أو على مصالح استراتيجيه متبادلة ويترتب على ذلك علاقة تحالفية حقيقية . فلا قواسم مشتركة بين نظام ديمقراطي وأخر دكتاتوري شمولي . ولا هناك بالمنطق علاقة إستراتيجية تبادلية بين قوي صانع وضعيف مصنوع بل هناك استخدامات إستراتيجية .
.فلو اعتبرنا على سبيل الفرض الخاطئ أن الأردن يمتلك الشروط التي تؤهله أن يكون شريكا إستراتيجيا لأمريكا ، فما هي المصالح الإستراتيجية المشتركة أو الأهداف الإستراتيجية الثنائية المشتركة التي تقوم عليها هذا العلاقة ؟ من المؤكد أنها غير موجود لا سياسيا ولا عسكريا ولا اقتصاديا . والحديث عن علاقات إستراتيجية بين الأردن وأمريكا أو إسرائيل هو هراء سياسي وللاستهلاك المحلي الأردني والعربي . فما هي إذن طبيعة العلاقة بين أمريكا والأردن.
يجب أن يكون واضحا أن علاقة أمريكا مع الأردن هي إرث بريطاني مؤرشف له طبيعته وشروطه وتفاهماته ، أورثته بريطانيا إلى الولايات المتحدة ليمثل طبيعة العلاقة مع الأردن واستمراريتها فهي علاقة تختلف في طبيعتها عن علاقة أمريكا ببقية الدول العربية السايكوسبيكية التي استقلت استقلالا كان يفترض أن يكون حقيقيا ، بينما كان استقلال الأردن وهميا ، لاختلاف الطبيعة الاستعمارية للأرض الأردنية وهدفها، ولطبيعة العلاقة وأسسها بين بريطانيا آنذاك وبين القيادة الهاشمية القادمة من الحجاز والتي على هديها وأسسها قامت الإمارة …وحتى لو تطورت علاقة أمريكا والصهيونية بالأنظمة العربية إلى ما يشبه العلاقة مع النظام الأردني كما نراها اليوم ، إلا أن الفارق موجود وأساسي .
وللوقوف على طبيعة العلاقة بين البلدين لا بد من الانطلاق من الظروف السياسية والجغرافية التي سبقت ثم رافقت تأسيس الدولة الأردنية في أعقاب الحرب الأولى ومؤتمر باريس عام 1919 وميثاق عصبة الأمم التي تمخضت عنه ،ومن الهوية السياسية التي قامت عليها الإمارة واستمرت عليها . فالأردن لم يؤسس على نفس شروط بقية الدول العربية السايكوسبيكيه ولا بريطانيا الدولة المنشئة والمستعمرة للإمارة تعاملت مع الأردن كمجرد مستعمرة ستستقل بعد توافر شروط التأهيل .
إن الأردن كإمارة وكمملكة كان وما زال بالنسبة للصهيونية ودولها دولة تحت الحكم الذاتي. وقد كان تعديل تفسير وضعها الجغرافي المنصوص عليه بالمادة 25 من صك الانتداب التي تعتبر الأراضي الأردنية جزءا من فلسطين ثم استثناءها في عام 1923 من وعد بلفور قد جاء في سياق تأسيس الدولة كدولة مرحله ودور وعلى أساس أنها عهدة أو وديعة قائمة رهن قيامها بتقديم خدمات استراتيجيه لتسهيل تنفيذ خطوات المشروع الصهيوني. . تماما كما كانت الضفة الغربية وديعة وتم استردادها . وقد قدم الأردن من هذه الخدمات الإستراتيجية ويقدم ما لا يمكن تثمينه بالمال . والأردن والأردنيين خلالها يعانون حصارا اقتصاديا وماليا وقابعين في غرفة الانعاش . فما الثمن المقبوض غير ما يعرفه الجميع .
وإن كون الأردن دولة تحت الحكم الذاتي بما ينطوي عليه ذلك من فقدان للسيادة يفسر الكثير من الأسئلة الصعبة حول سلوك الدولة على صعيدي السياسة الخارجية والداخلية. ويفسر أسباب تدني قيمة المواطن الأردني وضياع حقوقه الشخصية والوطنية لا سيما حين يرتبط الأمر بإسرائيل أو أمريكا أو بالسياسة الخارجية .وعندما وقع رابين اتفاقية وادي عربه اعتُبِر خائنا ،لأنها وضعت للأردن حدودا غربية مع فلسطين ومنحت القيادة الهاشمية علاقة الشريك الاستراتيجي لإسرائيل .
وبعد اغتياله استخدمت الاتفاقية كملزمة لطرف واحد وعادت العلاقة الإسرائيلية الأردنية لا تتفق مع وجود سيادة سياسية أردنية إذا ما تعلق الأمر بإسرائيل . وما يعانيه المسجد الأقصى الذي وضعته اتفاقية وادي عربة تحت رعاية القيادة الهاشمية مثالا على تخلي هذه القيادة عن دورها في الاتفاقية والذي يجب أن يكون مفعلا ومميزا ،كما نراها تقف عمليا عاجزة أو منصاعة سياسيا وقضائيا وأمنيا عندما تسفك دماء الأردنيين على يد إسرائيل ..لا أعتقد بأن كرامات وحقوق الأردنيين تكون في أيد أمينة في غياب دولة مستقلة وحرة وديمقراطية.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/07/26