بعد عشرين عاما ماذا حدث؟
ناصر عليان الخياري
قبل عشرين عاما تخرجت في الثانوية العامة بتقدير ممتاز، ومعدل يؤهلها لتحقيق حلمها بالالتحاق بكلية الطب، وبعد أن تم قبولها وبدأت باستكمال أوراق التسجيل النهائي؛ علم شقيقها الأكبر فثار وزمجر وأبى ومنعها من تحقيق حلمها الذي عاشت سنوات من الجد والمثابرة على وهجه. ساق لها من المبررات اللطيفة آنذاك، ما يمكن أن تسد عين الشمس، فتارة حرمة الاختلاط في بيئة العمل، وتارة طول سنوات الدراسة، وتارة كلام الناس من حولهم، وتارة نظرة الناس لمن تعمل طبيبة، ثم حكاية العنوسة التي سترافقها بقية حياتها فمن سيقبل بالزواج بطبيبة؟
سقط حلمها مغشيا عليه بادئ الأمر، ظنا منها أنه يمكنها تجاوز عقبة الشقيق الأكبر وسلطته، لكن انتهى بحلمها المطاف محمولا على نعش الموت. اتجهت إلى كلية التربية المتناثرة آنذاك، لم يكلفها الأمر سوى تقديم أوراقها فهي متفوقة جدا. أنجزت دراستها بتقدير «أي كلام» ثم توظفت كمعلمة في مدرسة مجاورة لبيتهم. انضوت تحت لواء مهنة لا تحبها ولا تطيقها، ولا تريد أن تحبها ولا أن تعمل بها. كانت ترى المستشفيات بعين أخرى، وتشعر بالمرضى تهب لنجدة أية مريضة ظلت سنوات تعيش الحلم بأعماقها، تعشق قراءة كل ما تصل إليه يدها في الطب وعن الطب.
بعد عشرين عاما ومع دورة الزمن القصيرة، جاء يذيع الدعوات إلى الحفل البهيج، والسعادة تغمر ملامحه، فقد قبلت ابنته في كلية الطب! نفس الكلية التي حرمها على شقيقته قبل عشرين عاما. ماذا حدث؟ ماذا تغير؟ قناعات أو أفكار أو حب الأب لابنته أو نضج فكري وخبرات حياة تراكمت فتغيرت معها الآراء والأحكام. هذا الحدث أيقظ الجرح الغائر بأعماقها، خاصة ألا أحد من أولادها ذكورا وإناثا استطاع أن يتفوق في دراسته ليحقق حلمها نيابة عنها. جاء الشقيق إلى شقيقته طارقا الباب وفي عينيه شيء من الخيبة، قبل رأسها وطلب منها العفو والسماح على كسر حلمها العظيم. مرددا مقولة نحتها الموقف في عقله: إن القناعات تتغير مع مرور الزمن، ومع التحولات المرحلية للمجتمعات وللإنسان نفسه أيضا.
نظرت إليه وقد سبقتها الدموع، وخنقة أنفاس رهيبة، وهي تقول «ودي أسامح بس جرحك كبير». أخلص من هذه القصة الحقيقية طبعا، إلى أن الوصاية على مستقبل الآخرين، والتدخل بشكل حاد في قراراتهم المصيرية المشروعة، ليس محمودا أبدا حتى لو أتى من مبدأ الحماية المتوهمة. إن هذه القصة تعكس خللا كبيرا كان في ثقافة الفرد والأسرة والمجتمع بضيق الأفق والرؤية القاصرة للأمور. ليبقى السؤال كم عدد الذين تجاوزوا نظرة المجتمع القاصرة وضيق أفقه في الماضي ليصنعوا لهم مستقبلا يتمناه الآن كل من عارضوه في الأمس.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2017/07/28