أربعة عشر يوما من الانتصارات هزت إسرائيل
محمد النوباني
اعتقد جازما بأن الهم الوحيد الذي كان يؤرق حكام إسرائيل قبل الرابع عشر من تموز الماضي هو تلك الانتصارات الكبيرة و اليومية التي يحققها الجيش السوري و حلفاؤه, إيران و حزب الله و القوى العراقية المؤيدة لهما, على العصابات التكفيرية في الجغرافيا السورية و نتائج انتصار الموصل الذي فتح الطريق البري بين طهران و بغداد و دمشق و عجز ما يسمى بالتحالف العربي عن تحقيق انتصار على الشعب اليمني في مضيق باب المندب الاستراتيجي و المهم جدا لإسرائيل , مضافا إليه عجز واشنطن عن عرقلة تلك التحولات الإستراتيجية الجارية في المنطقة و الإقليم بفعل تنامي قوة و جبروت العملاق الروسي سواء من خلال دوره في سوريا أو على الصعيد الكوني.
أما في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية فأن الاعتقاد الذي كان سائدا لدى المؤسستين الأمنية و السياسية في إسرائيل هو أن الشعب الفلسطيني الذي أنهكه سنوات الاحتلال الطويلة و ياسة من محيطه الغربي و تردي أوضاعه الاقتصادية و الاجتماعية, قد تلاشت لديه المقدرة على مواجهة المشروع الصهيوني, و بالتالي فأن الفرصة باتت مواتية للمس بمقدساته, وإجباره على قبول كل ما يملى عليه من تسويات بموجب صفقه العصر الترامبية المدعومة ببركات التطبيع و الاعتدال العربي.
و يبدو أن هذه النظرة الإستشراقية التي تبناها المستوى السياسي الإسرائيلي هي في الأساس محصلة أو خلاصة لاستنتاج أمني توصلت إليه بعض الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من خلال تعاملها مع الأحداث و لذلك فأن حكومة نتانياهو بنت على ذلك موقفا مفاده أن الظروف باتت تسمح لها وهي التي تمثل غلاة المستوطنين بفرض إجراءات في المسجد الأقصى , تمهد للتقسيم الزماني و المكاني للمسجد كخطوة على طريق بناء الهيكل الثالث المزعوم على أنقاضه.
من هذا المنطلق فقد كان نتانياهو في انتظار فرصة أو ذريعة ما للشروع في تنفيذ مخططه, اعتقد بأنها توفرت بعد العملية التي فام بها الشبان الثلاثة من عائلة الجبارين في المسجد الأقصى في الرابع عشر من تموز الجاري, ليقوم بإغلاقه و منع الصلاة فيه قبل أن يقرر فتحه شريطة مرور المصلين من البوابات الكترونية و بقية الحكاية المعروفة.
ولكن المفاجئة التي أذهلت نتانياهو و أفقدته صوابه أن ردة فعل الشعب الفلسطيني وفي مقدمته المقدسيين كانت على غير ما توقعه أجهزة أمنه, حيث هبوا هبة رجل واحد دفاعا عن أقصاهم و رفضوا و معهم مرجعياتهم الدينية الدخول إلى المسجد غبر البوابات الإلكترونية و أصروا على أداء صلواتهم على أبوابه و في أزقة القدس و شوارعها غير ابهين بفنابل الصوت الحارقة والقنابل المسيلة للدموع التي كانت تطلق بغزارة عليهم و هم ركعا سجدا و قدموا أكثر من عشرة شهداء في غضون تلك الفترة.
و لأن المقدسيون كانوا يدركون طبيعة ما يخطط للأقصى. فلم تنطلي عليهم خدعة نتانياهو حينما أذعن ووافق على إزالة البوابات الإلكترونية والجسور الحديدية و استغاض عنها بكاميرات مراقبة, و أصروا على عدم الدخول إلى المسجد و الصلاة فيه إلا بعد إلغاء كل الإجراءات التي اتخذت بعد 14/7/2017, فكان لهم ما أرادوا.
إن إجبار نتانياهو في هذا الوقت بالذات وهو المتغطرس و المتعجرف والمفتون بقوة و جبروت جيشه وأجهزته الأمنية على التراجع أمام الفلسطينيين في مسالة حساسة و بالغة الأهمية كالمسجد الأقصى المبارك هو لا شك انتصار كبير لهم و هزيمة له بامتياز سيكون لها ما بعدها لأنها ستفتح شهية الفلسطينيين لتحقيق انتصارات لاحقة في المعركة الطويلة من اجل استعادة حقوقهم بنفس الطريقة التي انتصروا فيها في معركة الأقصى الأخيرة, دونما حاجة لأية مفاوضات عبثية أو ما شاكل و إنما بسلاح الإرادة و الوحدة إلى أن تتعدل موازين القوى و تسمح بتحقيق النصر النهائي.
و هذا النصر يندرج في إطار الحتمية التاريخية ليس لأن الشعب الفلسطيني و كما أثبتت هبة الأقصى الأخيرة , سيبقى متمسكا باسترجاع حقوقه حتى النفس الأخير فحسب بل ولأن الاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني في فلسطين الذي يرفض التسليم لسكان البلاد الأصليين بأية حقوق إنسانية أو سياسية و يصر على يهودية فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر بموجب وعد الإلهي مزعوم, لا إمكانية لديه لحل وسط على قاعدة دولتين لشعبين أو ما شاكل لأن ذلك يتناقض مع قناعته الأيدولوجية التوراتية و التلمودية.
و لهذا السبب فأن طريق الوصول إلى تسوية سياسية على قاعدة التفاوض موصدة, لأن أقصى ما يمكن أن يتنازل عنه الإسرائيليون طواعية هو القبول بالفلسطينيين كحطابين و سقائي ماء حسب التوصيف التوراتي, أي كخدم و حراس أمنيين مقابل السكن في هذه الأرض كحد أقصى.
بقي القول و ودونما حاجة للإسهاب في الحديث عن دروس و عبر و دلالات انتصار القدس, أن 14 يوما و هي لا شيء في عمر الزمن قد هزت إسرائيل و أيقظت الشعوب العربية و الإسلامية, و هذه معادلة سيكون لها ما بعدها.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/08/05