ما وراء أكمة وضع حد لبرنامج تسليح المعارضة السورية؟ جزاء سنمار!!
نبيل نايلي
“إنّ قرار إنهاء برنامج الـ”سي آي ايه” كان قاسياً للغاية..إنّ البرنامج، من خلال ما أعرفه عنه وعن قرار إنهائه لم يكن على الإطلاق رشوة للروس، بل كان مبنياً على تقييم طبيعته، وما كنا نحاول إنجازه وجدوى استمراره”! شارل ليستر، المتخصص في الشأن السوري في معهد الشرق الأوسط.
أكثر البرامج تكلفة في تاريخ الـ”سي آي ايه، “CIAجاءت نهايته أسرع مما كان جهابذة الاستراتيجيات الأمريكية يتصورون!
تقرير صحيفة “نيويورك تايمز، “The New York Times تناول أسباب القرار الأمريكي المفاجئ الذي وصف البرنامج بـ”غير الفعّال والمكلف” والمعارضين المدرّبين ب”القوة القتالية الجوفاء” بعد وصول أسلحة المنظمين إلى هذه التنظيمات التي اختارتهم وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إلى جبهة النصرة وتنظيم داعش.
نعم وبمجرد عبور هؤلاء المقاتلين الذين دربتهم الـ”سي آي ايه”، إلى سوريا، يؤكد التقرير، كان “ضباط الاستخبارات يجدون صعوبة في السيطرة عليهم”. وانتهت “بعض أسلحتهم بأيدي مقاتلي جبهة النصرة وانضم بعض المتمردين إلى هذا التنظيم، كل ذلك أكد “المخاوف التي عبّر عنها كثيرون في إدارة أوباما إزاء البرنامج منذ بدايته”. بالرغم من أن جبهة النصرة كانت تُعتبر على نطاق واسع “قوة قتالية فعالة ضدّ قوات الأسد إلا أن انتماءها للقاعدة جعل من المستحيل على إدارة أوباما تقديم الدعم “المباشر لها. أ لم يمتدحها وزير خارجية فرنسا السابق، قائلا: “إنها تقوم بعمل جيد!”؟
مدير “السي آي إيه” مايك بومبيو، Mike Pompeo، كان أن نصح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ب”إنهاء برنامج تسليح وتدريب المتمردين السوريين.” وفعلا جاء رده سريعا.
تقرير مارك مازتي، MARK MAZZETTI، وآدم غولدمان، ADAM GOLDMAN، ومايكل شميدت،MICHAEL SCHMIDT، لا يتردد في وصف هذه القوات بأنها كانت “قوة جوفاء فيما اقتصر وجودهم على مناطق متقلصة لم تتمكن القوات السورية الحكومة من استعادتها”!
منتقدو البرنامج اشتكوا لسنوات من “تكاليفه الباهضة التي تخطت المليار دولار، فيما قضت التقارير بأن بعض الأسلحة التي زوّدت بها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية المسلحين انتهت بأيدي جماعة مرتبطة بالقاعدة، أو بتنظيم داعش أو في أيدي الجيش العربي السوري على الدعم السياسي للبرنامج.
فيما يعتقد داعمو البرنامج، والعهدة على التقرير، فيقولون إنه “كان حذراً أكثر من الضرورة وأن إنجازاته كانت لافتة نظراً لكون إدارة أوباما وضعت قيوداً عليه منذ بدايته ما أدّى إلى فشله على حدّ قولهم”.
البرنامج كان يعاني أيضا من نكسات أخرى، فقد وقع تسليح وتدريب المتمرّدين في الأردن وتركيا، وفي وقت ما، كما “قام ضباط الاستخبارات الأردنيون بسرقة مخزونات الأسلحة”، كما يؤكد التقرير، “وتم شحنها إلى المتمردين السوريين، أو بيعها في السوق السوداء” في تشرين الثاني / نوفمبر. كما “أطلق أحد أفراد الجيش الأردني النار وقتل ثلاثة جنود أمريكيين كانوا يدرّبون المتمردين السوريين كجزء من الجماعة الإسلامية”.
أما المتخصص في الشأن السوري في معهد الشرق الأوسط شارل ليستر، Charles Lister، فقد قال “إنه لم يتفاجأ بإنهاء إدارة ترامب للبرنامج الذي سلّح ودرّب الآلاف من المتمرّدين السوريين (بالمقارنة أنتج برنامج تابع للبنتاغون بلغت تكلفته 500 مليون دولار بهدف تدريب وتجهيز 15 ألف متمرّد سوري بضع عشرات لدى إلغائه في 2015″!
ليستر أضاف “لأسباب عديدة أحمّل المسؤولية لإدارة أوباما التي لم تعط يوماً البرنامج الموارد أو المساحة الضرورية لتحديد ديناميات الميدان. كانوا يقومون بتغذية جماعات المعارضة بالقطارة من أجل البقاء ولكن ليس بالقدر الذي يجعلها لاعبة مهيمنة”!
دونالد ترامب ذاته فقد انتقد على نحو علني البرنامج مرتين منذ إنهائه. بعد أن كشفت صحيفة “الواشنطن بوست، The Washington Post ” عن قراره، عندما غرّد ترامب أنه يضع حدا لـ”دفعات ضخمة وخطيرة من الأموال المهدورة لمصلحة المتمرّدين السوريين الذين يقاتلون الأسد”. وخلال مقابلته مع صحيفة “الوول ستريت جورنال، The Wall Street Journal” ، الشهر الماضي قال، “إن الكثير من أسلحة الـوكالة وصلت إلى أيدي القاعدة”، في إشارة إلى جبهة النصرة.
من جانبه، أكد قائد العمليات الخاصة الأميركية الجنرال رايموند توماس، Raymond A. Thomas III، الشهر الماضي، أن “قرار إنهاء برنامج الـ”سي آي ايه” كان قاسياً للغاية”، مشدّدا على أن “البرنامج، من خلال ما أعرفه عنه وعن قرار إنهائه لم يكن على الإطلاق رشوة للروس، بل كان مبنياً على تقييم طبيعته، وما كنا نحاول إنجازه وجدوى استمراره”!
برنامج وكالة الإستخبارات المركزية انتهى فهل من تأثير لذلك على سير المعركة ومستقبل “المعارضة” السورية، بـ”معتدليها” و”متشدديها”؟ وهل يؤثر ذلك على “تنسيق” روسي-أمريكي مستقبلي؟
متى نستوعب أن الأمريكيين غير معنيين تماما بوضع حد للمأساة السورية المتواصلة منذ سنوات؟ وأن أجنداتهم تمر أولا وقبل كل شيء ولو على حساب شلال من الدم السوري فإنهاك الأطراف جميعها؟؟؟ ما دامت الغاية: إدارة الأزمة لا حلّها!
ما لم يدركه “المتمردون” السوريون الذين “اصطفتهم” وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية، أو لعلهم أدركوا متأخرين، أن دورهم التخريبي قد أنجزوه -مشكورين- وحان وقت التخلص منهم.. كمنديل مستعمل!
*باحث في الفكر الإستراتيجي الأمريكي، جامعة باريس.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/08/07