سلوكيات ترامب: الفوضى عمداً
د. جيمس زغبي
ونحن فقط في الأشهر السبعة من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أشعر بأنني مرهق فعلاً، ومنهك عاطفيا من جراء سلوكيات الرئيس الغريبة ومن مرؤوسيه. وقد بدأت أشك أن هذا قد يكون رد فعل ترامب بهدف الاستفادة من خصومه، حيث إنه يستخدم الفوضى والغضب لإرهاقنا باستمرار.
وكالملايين من الأميركيين، أستيقظ كل صباح وأشغل التلفاز وأتحقق من صفحتي على موقع تويتر لمعرفة الأشياء الجديدة والغريبة التي قالها ساكن البيت الأبيض: من أهان؟! وما الجديد؟! وماذا قال؟! وما هي الرسوم الغريبة التي فرضها على أهدافه المفضلة؟!
وفي محاولة لإدراك سلوك الرئيس طرح المحللون والمعلقون عدة نظريات، أعتقد، إلى حد ما، أن جميعها قد تكون صحيحة. وتقترح إحدى النظريات أن الرئيس يثير تعليقات غاضبة ومخزية بشكل خاص عندما يتعرض للهجوم أو الفشل. وسائل الإعلام المتفهمة تعرف ما إذا كان ترامب يمكن أن يخلق حالة هياج شديد مع تغريدات مجنونة، ويمكنه تشتيت الانتباه عن عدم قدرته على تمرير التشريعات أو الإضرار بجوانب التحقيق المستمر في التواطؤ الروسي.
ويرى آخرون في اللغة التي يستخدمها ترامب في تغريداته وخطاباته جهدا للعب بأسوأ غرائز مؤيديه مع زراعة العلامة التجارية الخاصة به من القيادة الأحادية. ففي رسالته، قال إنه يروج لفكرة أنه وحده من يتحدث عن القيم الأميركية الحقيقية، وبالتالي، أولئك الذين يعارضونه ليسوا وطنيين. وهو يستخدم تغريداته لاستهداف أعدائه ومن ثم أعداء أميركا، الإعلام والقضاة ووكالات الاستخبارات وموظفي إنفاذ القانون الذين يحققون فيه، والأقليات من جميع الشرائح، وما إلى ذلك. لأنه، وكما يدعي «لا أحد يعرف النظام أفضل منه، وبالتالي، هو الوحيد الذي يستطيع إصلاحه». وما يبعث على القلق بشكل خاص أن أولئك الذين يتأثرون برسالته، ينظرون إلى مؤسسات أميركا الأساسية، كتهديد لزعيمهم ولقدرته على تحقيق بعض وعوده المبهمة لاستعادة العظمة.
وهناك الذين يرون ببساطة في تغريدات ترامب أنه نرجسي غير خارق، ولديه إحساس بالنقص، ويحتاج إلى إثبات نفسه ليكون أفضل وأقوى وأكثر ذكاء، وفحولي (رجولي) أكثر من أي شخص آخر. هذه الحاجة تدفع الرئيس إلى تقديم ادعاءات فظيعة وغير واضحة حول حجم جمهوره (أو طاقته البشرية) أو إنجازاته التشريعية، أو قدرته على إنجاز أمور لم يتمكن أي رئيس آخر من تحقيقها. هذا الهاجس نفسه يؤدي بالرئيس إلى تحطيم المعارضين أو أولئك الذين يشعر أنهم يقفون في طريقه.
وأخيرا، هناك ما ذكرته في البداية، الفوضى والإرهاق، سواء كان ذلك عن عمد أو بنحو غير مقصود. ونتيجة لذلك، فإن تغريدات ترامب تترك أثرا على نفسية العديد من الأميركيين الذين يجدون ببساطة الاعتداءات اليومية والتصرفات الغريبة، أشبه بسلوكيات غريبة في البيت الأبيض لتكون أكثر مما يجب تحمله.
وكما هي الحال مع غيره من المتسلطين المميزين الذين سبقوه، فإن ترامب يزدهر وينجح في الفوضى. فمنذ البداية، كان لدى موظفيه مراكز قوة متنافسة. وكان ذلك عن عمد. وبينما كان يشاهد مرؤوسيه، وهم يتشاجرون أو يأكل بعضهم لحوم بعض في صراع من أجل النفوذ أو الوصول إلى لقب «الرجل العظيم»، يحتفظ ترامب لنفسه بالقوة النهائية وصنع القرار. وفي هذه اللعبة، فإنه يتعامل مع وسائل الإعلام كأداة مفيدة. ففي يوم ما تصدرت أخبار ستيف بانون مساعد الرئيس، الذي شغل سابقاً منصب كبير مستشاري البيت الأبيض للشؤون الإستراتيجية، أخبار الصحف. كما تناولت الصحف في اليوم التالي الحديث عن صهر ترامب وحلفائه. وعندما يرى ترامب أن أحدهم يحظى باهتمام كبير، فإنه يقضي عليه، والنتيجة هي أنه لا يزال يمتلك السيطرة.
وخلال الأسبوع الماضي تم اهداؤنا جرعة كاملة من كل هذه السلوكيات. فخطابات ترامب التي ألقاها في كل من حفل الكشافة الأميركية الوطنية، وتلك التي أدلى بها أمام مناصريه في يونغزتاون، بولاية أوهايو، كانت كلاسيكية، حيث تفاخر، وقدم وعودا لا يمكن أن يحتفظ بها، وهاجم مرارا وتكرارا وسائل الإعلام ووصفها «بالمزيفة»، كما هاجم الرئيس السابق باراك أوباما.
وقد استخدم تغريداته لإذلال وإهانة النائب العام مرارا، حيث إنه كان غاضبا منه بسبب رفضه التحقيقات الروسية. وبحسب التكهنات، فإن ترامب يريد إبعاد النائب العام من الطريق حتى يتمكن من تعيين شخص أكثر ولاء، بحيث يستطيع أن يفصل المحقق الخاص روبرت مولر، الذي يحقق في التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات، وبالتالي يوقف التحقيق.
ولتحقيق المزيد من صرف الانتباه عن فشله، خلق ترامب عاصفة لا داعي لها بتغريدته حول منع الأميركيين المتحولين جنسيا من الالتحاق بالخدمة العسكرية. وبينما ادعى أنه اتخذ هذا القرار بعد مشاورات مع «جنرلات وخبراء عسكريين»، فقد دحض البنتاغون ذلك. والنتيجة النهائية، هي أنه لا تغيير فوري في السياسة، سوى إثارة مؤيديه، والاكتفاء بصرف النظر عن خروج قضية التدخل الروسي من نشرات الأخبار ليوم واحد، لكن التحقيق في التدخل الروسي لايزال مستمراً في التوسع، والرئيس لا يزال غير قادر على تحقيق أي انتصارات كبيرة.
والأسئلة التي تبقى مطروحة هي: هل ستستمر سلوكيات ترامب في تسميم السياسة، وإثارة غضب مؤيديه وإنهاك وإرهاق البقية منا؟! أم أن الوضع سيصل إلى نقطة الانهيار، حيث يتخذ خطوة أبعد من اللازم وتنهار رئاسته؟!
جريدة القبس الكويتية
أضيف بتاريخ :2017/08/07