العنصريون الأوائل!
سالم بن أحمد سحاب
حادثة القتل العمد التي جرت ضمن المظاهرات المفزعة التي تعرضت لها مدينة شارلوتفيل في ولاية فرجينيا، واستحوذت على اهتمام الإعلام الأمريكي والعالمي، ليست حالة معزولة عن سياقها الكبير ولا عن إطارها العريض. هي حتماً عرَض من أعراض المرض الكبير الذي لا يزال متشبثاً بجذوره العميقة، وبحضوره اللافت في المجتمع الأمريكي الحديث.
إنها العنصرية التي بُني عليها وجود الرجل الأبيض في القارة الكبيرة، وما رافقه من عمليات إبادة جماعية لسكان الأرض الأصليين (الهنود الحمر)، وما تبعه من جلب للأحرار من أفريقيا السمراء خطفاً وعنوة وقهراً، إلى المساحات البكر الشاسعة، وما انتهوا إليه من وقوع في براثن العبودية لعشرات السنين، كي يزرعوا الأرض ويعمروا المستعمرات ويرفهوا عن الأسياد البيض.
وحتى لا أبدو منحازاً أو غير منصف، سأختار فقرات من مقالة (للكاتبة الأمريكية باتريشيا ماكغواير) بعنوان: (شارلوتفيل: استرجاع مأساة أمريكية). تقول بداية: (لقد تحرك الشر في شوارع شارلوتفيل نهاية الأسبوع الماضي مخلفاً وراءه القتل والتدمير. لقد مشى شباب بيض حاملين مشاعل من نار تذكرنا بأشد الجماعات دموية عبر تاريخ البشرية.)
وتضيف: (هذا الحقد العنصري الذي تنقله الشاشات ليس مجرد فعل غير منطقي، بل هو سرطان منتشر لوَّث محيطنا السياسي وحطّ من قدره لعدة قرون. ولم يكن موقع الحادثة «بالقرب من جامعة الرئيس جيفرسون، التي هي جامعة فرجينيا» مجرد مصادفة ساخرة، فتوماس جيفرسون «الذي يعلم معظم الأمريكيين أنه صاحب العبارات المنمقة عن الحرية التي تضمنتها وثيقة إعلان الاستقلال»، كان هو ورفيقاه جورج واشنطن وجيمس ماديسون سادة للرقيق، أي أنهم عجزوا عن تحرير أنفسهم وبلادهم الجديدة من وزر العنصرية القديم.
لقد مُنح هؤلاء الثلاثة فرصة إلغاء الرق منذ نشأة الدولة، لكن طغى هوى المصلحة الشخصية الاقتصادية على المفاهيم الأخلاقية مما تسبب في استمرار إذكاء هذه القنبلة العنصرية البغيضة الموقوتة التي لم تستطع الحرب الأهلية الدموية من إخماد مفعولها بعد قرابة قرن من قيام الدولة.)
وللعلم فهؤلاء الثلاثة هم أول 3 رؤساء للولايات المتحدة، وأولهم بالطبع جورج واشنطن الذي سُميت العاصمة باسمه.
صحيفة المدينة
أضيف بتاريخ :2017/08/16