نصرالله دعا إلى واقعية تحمي الجنود قبل الآخرين
إبراهيم الأمين
لماذا جمّد قائد الجيش المرحلة الرابعة وكيف يمكن لأميركا المساعدة؟
الأميركيون لا يهتمون بمصير أيّ مدني، تماماً كما يفعلون الآن في العراق وفي سوريا (أ ف ب)
تساءل كثيرون عن سبب الإطلالة الأخيرة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، لا سيما أن خطابه تضمن في قسم كبير منه عرضاً لمجريات عسكرية وأجندة عمل زمنية، كان بمقدور آخرين من قيادة الحزب أو غرفة عمليات المقاومة الإسلامية الحديث عنها. كذلك بدا للبعض أن السيد نصرالله لم يطلق مواقف خاصة في المناسبة، بل اكتفى بعرض وتقدير للموقف ورسم إطار للعمليات السياسية والعسكرية في المرحلة المقبلة.
لندع جانباً «تعفيسات» تيار «المستقبل» وحزب «القوات اللبنانية»، التي لا ينفع إيرادها خارج التقرير الصحافي الذي يصل ثامر السبهان كل يوم عن نشاط أصدقائه في لبنان. لكن، قد يكون مناسباً الإشارة إلى نقطتين مركزيتين في مداخلة السيد:
أولاً: إعلانه عن عيد تحرير جديد للبنان. وهو ربطه بمن أنجزه مباشرة، متحدثاً مرة جديدة عن ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة، ومضيفاً الجيش العربي السوري. وهي إضافة تنطلق من كون الجيش السوري يقوم بعمل عسكري من الجانب السوري للحدود، بما يحقق النتيجة الفعلية لهدف لبنان إبعاد عناصر الإرهاب من أراضيه ومن على حدوده. كذلك فإن الجيش السوري فتح الطريق أمام رجال المقاومة لتنفيذ خطة عسكرية تقوم أساساً على التنسيق مع الجيش اللبناني بغية مساعدته على تحقيق هدف «فجر الجرود».
الجيش السوري يقوم بعمل عسكري يحقق النتيجة الفعلية التي يهدف إليها لبنان
لكن الأهم ليس إضافة السيد للضلع الرابع المتمثل بالجيش السوري، بل في كونه حسم وجزم بأنه لا وجود لشركاء آخرين في صناعة هذا النصر. وهو هنا يقصد الأميركيين الذين يريدون أن يظهروا كأنهم هم من وقف خلف قرار الجيش اللبناني بشنّ العملية، وأنهم من وفّر حاجات الجيش لأجل النجاح في مهمته. والسيد هنا يقطع الطريق على محاولات لا تخصّ الأميركيين فقط، بل بعض الجماعات اللبنانية، وبينها أوساط نافذة داخل الجيش اللبناني، التي بدأت من اليوم الأول التهليل للدعم الأميركي.
ثانياً: أن السيد نصرالله أراد جعل النقاش حول المرحلة المقبلة واقعياً إلى أبعد الحدود. فهو يعرف جيداً أسباب توقف الجيش عن شنّ هجوم المرحلة الرابعة. وهو يعلم أيضاً الحاجات اللوجستية والأمنية والعسكرية التي يحتاج إليها الجيش، كما يحتاج إليها الجيش السوري والمقاومة لإنجاز المرحلة الأخيرة، خصوصاً أنها ستكون قاسية وتتطلب إلى جانب العمل العسكري الدقيق قراراً كبيراً بتحمّل المسؤولية عن الأثمان المطلوبة لإنجازها، سواء لناحية الخسائر التي ستصيب المهاجمين، أو لجهة احتمال كبير بسقوط ضحايا مدنيين من بين العائلات الموجودة إلى جانب المسلحين في الجرود.
وعندما كشف السيد عن مداولات قيادة المقاومة مع القيادة السورية بشأن المرحلة الأخيرة، إنما أراد فتح الباب أمام خيار منطقي ومعقول، يفرض البحث عن طريقة لإنجاز المهمة من خلال عمليات ضغط بالنار على المسلحين، بغية دفعهم إلى الاستسلام. وهي عملية قد تستوجب في لحظة معينة، وهذا ما تدل عليه التجربة السورية، عقد تسوية مع هؤلاء المسلحين، وبالتالي، فإن عنوان أي تسوية يعقدها المسلحون تقضي بتوفير ممر آمن لهم كي ينتقلوا إلى مناطق وجود تنظيمهم في سوريا، ما يعني الحاجة الفعلية إلى التنسيق مع دمشق. وما قاله السيد عن مطلب دمشق التنسيق المباشر والرسمي والعلني، سيكون أضعف الإيمان في حال أراد الجميع، وخصوصاً الجانب اللبناني، إنهاء معركة الجرود بأسرع وقت وأقل كلفة.
ما لم يقله السيد في مداخلته، وما لا يرغب كثيرون في الحديث عنه، يتعلق بخطط الجيش خلال الأيام الماضية، إذ عندما أبلغت قيادة الجبهة قائد الجيش بإنجاز المراحل الأولى التمهيدية، وأن القرار بالحسم يفترض حسابات من نوع مختلف، سارع العماد جوزيف عون إلى التشاور مع ضباطه، وانتهى إلى قرار وقف العمليات الهجومية. وهو ما دفعه إلى زيارة القصر الجمهوري وإبلاغ الرئيس ميشال عون أن قيادة الجيش تحتاج إلى وقت لمراجعة الموقف. وبعد عودته إلى اليرزة، قال قائد الجيش أمام كبار الضباط إن تأخير العملية الحاسمة سيكون لمدة 36 ساعة فقط، وسيصار إلى إطلاق المعركة صباح الخميس. لكن مساء الأربعاء، عاد وقرر تأجيلها إلى صباح الجمعة، ثم عاد وأجّلها من دون تحديد موعد جديد لها.
لماذا فعل ذلك؟
المرحلة الأخيرة ستكون قاسية وتتطلب قراراً بتحمّل مسؤولية الأثمان المطلوبة لإنجازها
صحيح أن الجيش لم يخض معركة قاسية بهذا الحجم من قبل، ما يفترض به التعامل بهدوء وروية، وعدم الاستعجال. وهو أمر ترافق مع الحاجة إلى منح القوات الهجومية بعض الوقت للراحة، ومن ثم إفساح المجال أمام تثبيت النقاط والمواقع التي تم تحريرها، والعمل على إزالة الألغام والعبوات الناسفة المزروعة في المنطقة، ثم نقل قوات الاستطلاع وبعض الآليات والعتاد إلى نقاط جديدة. لكنها عملية لا تحتاج إلى أكثر من 48 ساعة، كما تدل تجربة القتال في سوريا.
لكن الجيش يعرف أن المسلحين تراجعوا ليتمركزوا في بقعة تمتد على نحو عشرين كيلومتراً مربعاً. وهي منطقة متاخمة للحدود السورية، وفيها خصوصية جغرافية تتطلب التعامل مع المسلحين حيث يتحركون، أي خط تنقلهم بين جانبي الحدود. وهو أمر يوجب مستوى جديداً من التنسيق مع المقاومة ومع الجيش السوري. أما تجاهل الأمر والسير في المعركة نحو عمل من جانب واحد، فقد يؤدي إلى نتائج عكسية، في حال لم يتمكن الجانب السوري من تضييق الخناق أكثر. هذا إضافة إلى أن كل المعطيات لدى استخبارات الجيش تشير إلى وجود نحو 250 مسلحاً مع عائلاتهم في المنطقة اللبنانية، وأن عملية قاسية وقصفاً عنيفاً قد يؤديان إلى سقوط ضحايا بين المدنيين، وهو أمر لا يريده الجيش اللبناني، بعكس الأميركيين الذين يصرّون على الحسم السريع، وهم لا يهتمون بمصير أيّ مدنيين، كما يفعلون الآن في العراق وفي سوريا.
المعضلة الأخرى في هذه النقطة، أنه فيما لو استمر الجيش في موقفه المجمد للعملية الهجومية الأخرى، بينما تواصل المقاومة والجيش السوري معركتهما في المنطقة المقابلة، كيف سيكون الموقف في حال أنجز السوريون بدعم من المقاومة تطهير كل الجرود السورية؟ كيف سيتصرف الجيش في حال تجمع كل من بقي من المسلحين في الجانب اللبناني من الجرود؟ فماذا يفعل الجيش اللبناني بهم؟ هل يقود معركة إبادة تشملهم والمدنيين؟ هل هو مستعد لمواجهة حاسمة مع جسم سوف يتحول إلى كتلة من الانتحاريين؟ أم أن بيده خيارات أخرى، مثل عقد صفقة لإبعاد المسلحين وكشف مصير العسكريين من دون الحاجة إلى تنسيق مع دمشق؟ فهل تساعده الولايات المتحدة على نقلهم إلى الرقة ودير الزور عن طريق تركيا أو السعودية أو الأردن، وبالتالي يحقق الجيش هدفه من دون الحاجة إلى تنسيق مباشر مع الحكومة السورية؟... وهنا، ربما يحتاج الجيش إلى دعم خاص من تيار «المستقبل» وحزب «القوات اللبنانية» لمساعدته ليس عسكرياً، بل في معالجة ملف المسلحين، وبالتالي كشف مصير العسكريين.
الخطب النارية والشعر لا ينفعان في هذه اللحظات، بل العقل والمصلحة فقط. وهو استحقاق يخصّ قيادة الجيش اللبناني أولاً، ويخصّ الحكومة اللبنانية ثانياً، ويخصّ الشعب اللبناني ثالثاً. وبالتالي، فإن القرار بأيدي هؤلاء. وبأيديهم عدم الرضوخ لضغوط بعض القوى اللبنانية التي لم تقم بعمل صحيح منذ قيامها، ولا لقوى إقليمية وخارجية تعاني المأزق تلو المأزق.
والقرار الأصعب هو الذي يقوم على قراءة دقيقة للوقائع التي تقول إن الولايات المتحدة الأميركية لن تقدر على ادّعاء الانتصار في هذه المعركة، ولن تكون قادرة على استثمارها سياسياً مهما علا صراخ موظفي السفارة في عوكر. وما على الجميع إلا التعوّد، طوعاً أو غصباً، على زمن ليس فيه انتصار لأميركا وحلفائها، لا في اليمن ولا في العراق ولا في سوريا ولا في لبنان أيضاً.
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2017/08/26