الاعتداءات الإرهابية الدامية على مستوى العالم... والأهداف الخطيرة!
سلمان سالم
إن الاعتداءات الإرهابية التي هزت الضمائر الإنسانية في خمس السنوات الأخيرة، والتي أسفرت عن قتل وإصابة وتشريد ملايين الأبرياء في العديد من الدول العربية والإسلامية من الرجال والنساء والأطفال وكبار السن، لم يتحرك العالم بصورة فعلية في مواجهة هذا النهج المخالف لكل النواميس الإنسانية والأخلاقية قبل الاعتداءات الإرهابية الدامية التي حصدت في يوم الجمعة الموافق 12( نوفمبر/ تشرين الثاني 2015)، في فرنسا إثر عملية احتجاز رهائن وتفجيرات وإطلاق نار كثيف، أكثر من 129 شخصًا وإصابة نحو 350 آخرين بجروح بين خطيرة وطفيفة، لقد استنفر العالم إعلاميا وعسكريا بعد أحداث فرنسا بصورة واسعة لمحاربة الإرهاب البغيض، وعبر بحكوماته وبرلماناته وأحزابه السياسية المعارضة ومنظماته القانونية والحقوقية والإنسانية والنقابية والتعليمية واتحاداته الرياضية ومؤسساته الاجتماعية وهيئاته ومنظماته الدولية وفي مقدمتها مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة عن استيائه وغضبه الشديد على الإرهاب، واتفقوا على مطلب واحد وهو القضاء عليه أين ما وجد، وعلى أثره تضامنت دول العالم مع فرنسا وأبدت بعضها التعاون معها في كل الجوانب الأمنية، وسمح العالم لفرنسا تكثيف ضرباتها الجوية على مواقع الإرهاب بسورية، وقد اتخذت بعض الدول الأوروبية احتياطات أمنية مشددة؛ لمنع حدوث أية أعمال إرهابية دامية ضد المدنيين ومؤسساتها الحكومية والخاصة.
ولأول مرة يصبح العالم أجمع بعد أحداث الجمعة الدامية على قناعة تامة بوجوب استئصال الجماعات الإرهابية وعدم احتوائها أو التساهل معها ومع مصادر تمويلها، خلال السنوات الخمس الماضية أحدث الإرهاب المدعوم سياسيا وإعلاميا واقتصاديا وعسكريا من بعض القوى والجهات في العالم، الكثير من المآسي والمصائب في العديد من الدول العربية والإسلامية، من قتل وجرح مئات الألوف من البشر من مختلف الأعمار والأعراق والأديان والطوائف والمذاهب، وتشريد ملايين الناس من النساء والرجال والشيوخ والأطفال من بلدانهم، وتدمير عشرات المواقع الأثرية والحضارية، وهدم الكثير من المعابد والكنائس، وتفجير عشرات الأضرحة والمساجد المقدسة، ولم يبق بشر ولا حجر ولا مدر إلا وناله جزء كبير من هذه المأساة الإنسانية والحضارية، وما أحدثه الإرهاب في الاقتصاد العربي والإسلامي في السنوات الثلاث الأخيرة خصوصاً يفوق كل توقعات وتصورات الاقتصاديين العالميين.
لقد أراح الإرهاب بأفعاله القاسية الكيان الصهيوني الغاصب للقدس كثيراً، وجعله يعيش في نشوة وفرحة لم يعشهما منذ احتلاله فلسطين الحبيبة، فقد كفاه ما كان يتمنى أن يحدثه في الوطن العربي والإسلامي منذ زمن بعيد، من دون أن يكلفه قطرة دم ، والمصيبة أن كل ما يفعله الإرهاب باسم الإسلام، كأن هدفه الأول والأخير هو تشويه الإسلام العظيم ونبيه الكريم (ص) الذي بعثه الله رحمة للعالمين، الكثير من الآراء تقول إن العمليات الإرهابية بدأت تظهر بوضوح في مناطق عديدة في العالم بعد أن فرض الدين الإسلامي بسماحته وتقديره للإنسان وجوده الروحي والمعنوي والأخلاقي والإنساني في قلب أوروبا وأميركا وفي بقاع واسعة من العالم، وبعد أن أصبحت أفواج من الشعوب الأوروبية تدخل بقناعتها في رحاب الدين الإسلامي الحنيف في العشرين سنة الأخيرة، ما أحدثه الإرهاب في الإنسانية جمعاء من مجازر فظيعة ودمار رهيب للحضارات الإنسانية ليس من باب الصدفة.
عقلاء العالم يقولون إن كل المؤشرات تدل على أن هناك تخطيطا كبيرا، شاركت في وضعه قوى سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية وتقنية ضخمة، لا يمكن لجماعة مهما كبرت وتعاظمت أن تمتلك كل هذه القدرات الاقتصادية والإعلامية والبشرية والتكنولوجية الكبيرة، التي مكنتها من الانتشار والتمدد بصورة واسعة في دول عديدة وفي زمن قصير جدا، من دون أن يحصلوا على تسهيلات كبيرة لعبور أفرادها وآلياتهم وتجهيزاتهم القتالية والإعلامية والاقتصادية، وجل شعوب العالم يعلمون بكل ذلك وبالجهات التي تقف وراء الإرهاب بكل طاقاتها وإمكانياتها الاقتصادية والعسكرية، ولم يعد الأمر خافيا على أحد في العالم، وخصوصا عندما أظهرت التقارير التي أعدتها بعض المحطات الفضائية الصهيونية الخاصة العلاقة الوثيقة بين الإرهاب والكيان الصهيوني في مختلف المجالات، وشعوب العالم يتذكرون ما بثته إحدى القنوات الفضائية قبل أكثر من ست سنوات عن المعسكرات التدريبية التي أقامها الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، لتدريب شباب من مختلف دول الشرق الأوسط على فنون القتال وحرب العصابات والاغتيالات بالأسلحة الكاتمة للصوت، لنشر الرعب والهلع في أوساط الدول العربية والإسلامية أولا، وللقيام بعمليات إرهابية في عدد من مختلف دول العالم باسم الدين الإسلامي ثانيا، ليضربوا بذلك عصفورين بحجر واحد كما يقولون، العصفور الأول، قتل أكبر عدد من العرب والمسلمين بعناوين طائفية ومذهبية لإشغالهم بالفتن الدامية، والعصفور الثاني، العمل على تشويه الدين الإسلامي في أعين العالم وإلحاق الأذى النفسي والجسدي والمعنوي بالعرب والمسلمين المقيمين في الدول الأوروبية وأميركا، لكنهم نسوا أن يد الله فوق أيديهم، ونسوا قول الله تعالى «ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين» (آل عمران: 54)، وقال تعالى «ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون» (النمل: 50)، ونسوا قوله تعالى «ولا يحيق المكر السيىء إلا بأهله» (فاطر: 43)، ونسوا أن الله جلت عظمته قد أورث الإنسان هذه الأرض، لتعميرها بالعدل والمساواة والإنصاف والحب والمودة والتآلف الإنساني وليس بالقتل والتدمير والعبث بمقدرات البشر، التي أودعها الله لهم ، ليستخدموها في إسعاد أنفسهم وإسعاد غيرهم من البشر، وتنمية وتطوير قدراتهم العلمية والاقتصادية والمهنية من دون تمييز.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2015/12/27