المساءلة والإدارة في التعليم
سطام المقرن
الخطوة الأولى نحو أي إصلاح إداري فعال في التعليم هي المساءلة واتخاذ موقف حازم من كل مسؤول عن التعليم، بدون ذلك يبقى أي حديث عن إصلاح التعليم حديثاً لا يسمن ولا يغني من جوع
مع بدء عودة الطلاب والطالبات إلى الحياة المدرسية، تتصدر مواضيع مشاكل التعليم والمعلمين والمعلمات اهتمامات الرأي العام في السعودية، وقد واجه التعليم في السنوات الأخيرة انتقادات حادة بسبب تدني مخرجاته، فقد تضمنت خطط التنمية المتعاقبة، تدني مستوى التعليم العام، الذي نجم عنه حتمية تدني المستوى العام في التعليم الجامعي أيضاً.
وعلى هذا الأساس يرى بعض المختصين في المجال التربوي أن مشكلة التعليم تتعلق بالمعلمين كتدني الكفاءة، وقلة فرص الترقي، وتفاوت المؤهلات، ومشاكل أخرى تتعلق بالمدارس ذاتها كنقص المباني المدرسية واستئجار بعضها، وقلة تجهيزاتها، وضعف الشراكة بين المدرسة والأسرة، بالإضافة إلى المشكلات التي يعاني منها التعليم العام كزيادة الطلب عليه، وارتفاع كلفته، وانخفاض مردوده، وجمود مناهجه وطرائق تدريسه، وعدم توظيف تقنيات التعليم الحديثة.
وفي المقابل، يرى آخرون أن تلك المشاكل لا تمثل السبب الرئيسي في تدني مستوى التعليم، حيث يقول أحد الكتّاب إنه تم تطوير «مناهج الرياضيات والعلوم....، ومع هذا لم يتطور التعليم، وتم بناء مدارس حديثة وبمواصفات عالمية، وصرف المليارات عليها، ومع هذا لم يتطور التعليم، وتم شراء أجهزة حاسب آلي لبعض الطلبة والمعلمين، ومع هذا لم يتطور التعليم، وتم جلب شركات عالمية (أجنبية) استشارية وتنفيذية في التعليم والحاسب، وصرف مبالغ طائلة عليها، ومع هذا لم يتطور التعليم، وتم تحسين كادر المعلمين والمعلمات، ومع هذا لم يتطور التعليم»، فهذه الأمور في نظرهم مجرّد أدوات مساعدة ولا تمثل مشكلة التعليم الحقيقية!.
وعلى هذا الأساس، فإن مشكلة التعليم في المملكة تتمثل في طرق ومنهجية التدريس التي لا هم لها ولا غاية سوى ملء الرؤوس و«حشوها حشواً»، ولا يهم أن يكون أو لا يكون الفهم والاستيعاب، فالطلاب والطالبات يتعلمون بالحفظ والتلقين دون المناقشة أو النقد أو الحوار، وبالتالي فإن هدف المعلم أو المعلمة يجب أن يكون تدريب الطلبة والطالبات وليس تلقينهم.
وفي هذا الصدد يقول أحد الباحثين ما نصه «على كل مدرس ألا يكتفي بأن يسأل نفسه: هل نجحت في جعل الطالب يستوعب المقرر؟ بل عليه أن يسأل سؤالاً آخر: هل نجحت في تدريب الملكة الذهنية عند الطالب، بحيث يستطيع التعامل مع مشاكل ومواقف جديدة؟ هل حاولت أن أعد الطالب الإعداد الكافي لجعله في المستقبل عنصراً فعالاً من عناصر التنمية؟».
بالإضافة إلى ما سبق، هناك مشكلة أخرى يعاني منها التعليم لم يتم الالتفات إليها رغم أهميتها في هذا المجال، ولا أبالغ إن قلت إن هذه المشكلة هي السبب الرئيس في تفاقم مشاكل التعليم الأخرى، وهذه المشكلة تتمثل في ضعف الإدارة التعليمية نفسها، فالإدارة كمصطلح وتنظيم مسؤولة عن كل أوجه التقدم في حياة الشعوب من خدمات وصناعة وتجارة وتعليم وبحوث علمية وخطط مستقبلية، وهي في نفس الوقت مسؤولة عن كل مظاهر التخلف والعجز لدى الشعوب المتخلفة اقتصادياً واجتماعياً وعن الفشل في استغلال الطاقات البشرية والمادية.
ووزارة التعليم كغيرها من الوزارات والجهات الحكومية الأخرى مسؤولة عن تحقيق أهداف مشاريع التنمية في المملكة، فهي من تقوم بوضع الخطط والبرامج اللازمة لتنفيذ السياسات التعليمية، وبالتالي هي مسؤولة عن نجاح أو فشل ما تهدف إليه هذه السياسات عند تطبيقها على أرض الواقع.
إن موضوع الإدارة في التعليم حديث ذو شجون يطول شرحه ولا يمكن أن يتسع هذا المقال له، فالمتتبع للهيكل التنظيمي فقط لوزارة التعليم يجد تضخماً إدارياً لا يستهان به في الوزارة، فهناك وكالة للشؤون التعليمية ووكالة للمباني، ووكالة للمناهج والبرامج التربوية ووكالة للتخطيط والمعلومات، ووكالة للشؤون المدرسية، ووكالة الوزارة للتعليم (بنين وبنات)..إلخ، وبالطبع فإن كل وكالة من هذه الوكالات تتفرع منها إدارات عمومية، فعلى سبيل المثال وكالة الوزارة للتعليم – بنين تتفرع منها الإدارة العامة للنشاط الطلابي، والإدارة العامة للمدارس السعودية في الخارج، والإدارة العامة لتعليم الكبار..إلخ، وبذلك نقيس على باقي الوكالات والإدارات الأخرى في الوزارة.
أما فيما يتعلق بإدارات التعليم في مناطق المملكة المختلفة، فكل إدارة تعليم عبارة عن وزارة تعليم مصغرة تتكون من مدير التعليم بالمنطقة والإدارات التابعة له مثل إدارة التخطيط والتطوير، وإدارة الإعلام التربوي، وإدارة العلاقات العامة، وإدارة الشؤون القانونية..إلخ، وليس هذا وحسب، هناك مساعد مدير التعليم لشؤون تعليم البنات، ومساعد للشؤون المدرسية، ومساعد للخدمات المساندة...إلخ، وتتفرع من كل مكتب إدارات وأقسام مختلفة، وفي النهاية نصل إلى إدارات المدارس نفسها.
في ظل هذا التضخم الإداري الهائل وغموض الإشراف الفني والإداري على التعليم بشكل عام، يحق لنا أن نتساءل عن كيفية تنفيذ البرامج والسياسات التعليمية والقرارات الإدارية في المدارس وكيفية الرقابة عليها، ووزارة التعليم والإدارات التابعة لها ليست بمنأى عن ضعف الأداء والترهل الإداري.
لا شك أن الخطوة الأولى نحو أي إصلاح إداري فعال في التعليم هي المساءلة واتخاذ موقف حازم من كل مسؤول عن التعليم، بدون ذلك يبقى أي حديث عن إصلاح التعليم حديثا لا يسمن ولا يغني من جوع.. ولكن كيف تكون هذه المساءلة؟.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2017/09/12