صفقة القرن: دعوة إلى حروب جديدة
إبراهيم الأمين
صفقة العصر، أو صفقة القرن. عناوين كبيرة يجري تقديمها للجمهور العربي عموماً، والفلسطيني خصوصاً، في سياق الحديث عن مبادرة عالمية تقودها أميركا، لإنتاج تسوية خاصة وعاجلة للصراع مع إسرائيل، علماً بأن القيّمين على الجهد الأساسي، من الولايات المتحدة إلى أوروبا إلى إسرائيل إلى بعض الدول العربية، يقولون صراحة إن الهدف ليس معالجة أصل الصراع مع العدو، بل الحصول على «رشوة» في ملف فلسطين، تبرر الإعلان عن تطبيع وتعاون قائمين بين ممالك القهر في الجزيرة العربية وإسرائيل، إضافة إلى تطوير التعاون العلني وغير العلني في مواجهة دول وقوى محور المقاومة.
وإذا كانت أميركا ومعها أوروبا والخليج كما إسرائيل، يسعون إلى إنجاز الأمر بما يتناسب مع مصالحهم، فإن السؤال يبقى متعلقاً بدور مصر والسلطة الفلسطينية في هذه العملية. ولماذا يتورط الطرفان في لعبة يعرفان حق المعرفة أنه لا يمكنها أن تقدّم علاجاً واقعياً للصراع مع العدو، كما لن تتيح لهما الحصول على دعم أكبر في معارك حكومتي القاهرة ورام الله مع خصومهما المحليين، وخصوصاً الإسلاميين منهم؟
مصر والسلطة ترتكبان الخطأ القاتل،وإسرائيل لن تكون أكثر قوة، بينما سيعاد الاعتبار إلى خيار المقاومة شعبياً
قد يكون مناسباً القول مسبقاً إن ما يجري الحديث عنه، ولو أطلق عليه اسم صفقة القرن أو العصر، إنما هو عمل لا يدنو في أعلى مراتبه من الحد الأدنى الذي حققه اتفاق أوسلو الشهير للفلسطينيين. وبالتالي، علينا التعامل بواقعية مع أن حدثاً من هذا النوع سوف تكون له نتيجة واضحة ومباشرة: قتل إضافي لكل خصوم ما تبقى من المنظومة الحاكمة في العالم العربي. وهو قتل على قساوته، لن ينتهي إلى هدوء كما يفترض العاملون على الصفقة، بل سيكون فاتحة لمواجهة جديدة، ومن نوع آخر، وعلى أرض فلسطين هذه المرة، وليس في دول الطوق.
ما الذي يأمله هؤلاء من هذه الصفقة؟
لنأخذ فلسطين نفسها. هل يفترض هؤلاء، ومعهم السلطة الفلسطينية، أن خطوة إعلامية كبيرة كهذه سوف تعطي الفلسطينيين ما لم يأخذوه في العقدين الأخيرين؟ هل هم يعتقدون أن إسرائيل ستتنازل فعلاً عن الاستيطان أو تنفذ انسحاباً كاملاً من الضفة، أو توقف الاعتداءات على غزة، أو تفسح في المجال أمام قيام دورة اقتصادية مستقلة في الأراضي الواقعة تحت سلطة حكومة رام الله؟
هل يعتقد المتورطون في هذه اللعبة أن أميركا وأوروبا ستمارسان الضغط الكبير لإجبار إسرائيل على تنازلات جوهرية، مقابل تطبيع يريده عرب أميركا قبل إسرائيل؟ وهل يفترض الحكم في مصر أن القيام بهذه المهمة سوف يتيح له معالجة مشكلاته السياسية، حيث فقدان النصاب السياسي أو الأمني، وحيث المواجهات المفتوحة مع الجماعات الإسلامية؛ أو مشكلاته الاقتصادية حيث الأزمة تتركز يوماً بعد يوم وتهدد كل استقرار في مصر؟
هل يعتقد الرئيس محمود عباس، والمؤيدون له من قيادات أو قوى فلسطينية، أنه ستتم إعادة إنتاج السلطة الفلسطينية وكأننا في أواسط التسعينيات؟ وهل يفترضون أن القتل الإسرائيلي للناس سيتوقف تماماً، أم هم يستعدون لموجة جديدة من التعاون الأمني، يكون ثمنها حياة كل معارض فلسطيني، وتكون نتيجتها اندلاع مواجهة فلسطينية ــ فلسطينية لا تحمد عقباها؟
ثم، هل ترى إسرائيل نفسها أن تطبيعاً واسعاً ومعلناً مع دول الخليج، وتعاوناً أمنياً أوثق مع السلطة الفلسطينية والأردن، سوف يتيح لها القيام بأدوار مختلفة في مواجهة من تعتبره الخطر الوجودي في جهة محور المقاومة؟
في فلسطين نفسها، ما هو تصورهم لمصير قطاع غزة؟
هل يعتقدون أن المخابرات المصرية ستعيد الإمساك به بصورة تجعله يلفظ المقاومة ويستقبل محمد دحلان فاتحاً وتطوّبه زعيماً بلا منازع؟ وهل هم يعتقدون، كما السلطة الفلسطينية وإسرائيل، أن تسوية من هذا النوع ستقضي على حركتي حماس والجهاد الإسلامي وقوى المقاومة، وتدفع الناس إلى التظاهر للمطالبة بنزع سلاح المقاومة؟
صحيح أن واقع القطاع صعب الآن، لكن أهل القطاع كما غيرهم يعرفون أنه تمت محاصرة القطاع، وقطعت الماء والكهرباء والرواتب والغذاء عن أهاليه، ومنعت عملية إعادة إعمار ما دمرته حروب العدو.
ربما هذا ما دفع قيادة حماس إلى مراجعة، وقررت التخلي عن مسؤولية إدارة القطاع وحدها. وربما هناك أسباب أخرى خلف قرار الحركة، من بينها فشل رهاناتها السياسية الكبرى التي رافقت «الربيع العربي» نفسه؛ وهي مراجعة جعلت الحركة اليوم في موقع من يأخذ مسافة من التيارات الإسلامية التي تخوض معارك مجنونة في بلادها. لكن الحركة هنا وجدت نفسها ملزمة، لأسباب كثيرة، بأن ترفع من مستوى المواجهة مع التكفيريين داخل القطاع، ولا ننسى هنا أن حماس قد تكون أول حركة إسلامية تقود هجوماً بالرصاص والقنابل ضد مسجد، بعد أن تحصّن فيه تكفيريون قبيل سنوات. لكن محصّلة كل ما سبق سوف تكون إراحة الحركة من عبء كبير، وسوف تتيح المزيد من فرص تطوير قدرات المقاومة، علماً بأن قيادات فلسطينية على صلة بالحركة تؤكد أن برامج العمل الخاصة بكتائب عز الدين القسام لم تتوقف يوماً، حتى خلال فترة التجاذب بين حماس وقوى محور المقاومة.
لكن، هل يتوقع أهل التسوية أن تنسحب حماس من القطاع، أم أنهم يعتقدون أن عودة وزراء حكومة رام الله ومعهم محمد دحلان والمخابرات المصرية سوف تجعل الحركة خارج التأثير في القطاع؟
أكثر من ذلك، وفي الضفة الغربية نفسها، حيث لم يتوقف العدو عن القيام بكل ما يمكنه القيام به لمواجهة أي محاولة لصناعة مقاومة قاسية ضده، وحيث قامت أجهزة السلطة الفلسطينية بمهمات قذرة كثيرة ضد المقاومين، ومع ذلك، فإنه لا أحد في السلطة أو إسرائيل يقدر على توقّع اليوم التالي في الضفة. وهم يعرفون أكثر من غيرهم أن حالة الغليان لدى الجمهور في الضفة تسمح بقيام انتفاضات وليس انتفاضة واحدة، وأن الأمور قد تتطور إلى ما هو أكبر بكثير مما نعرفه سابقاً.
وبالتالي، فإن حصيلة ما يجري الترويج له حول صفقة القرن لا يعدو كونه تمهيداً لحروب جديدة تخوضها الولايات المتحدة مع إسرائيل وأوروبا وعرب الخليج ضد الفلسطينيين أولاً، وضد محور المقاومة ثانياً، لكنها حروب ليس في العالم من يضمن نتائجها، علماً بأنها ستشكل رافعة لإعادة تنظيم محور المقاومة نفسه، ليكون أكثر قوة ومتانة، من طهران إلى غزة هذه المرة، وليس إلى بيروت وحسب.
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2017/09/23