كارثة مضافة: ابحثوا في أسباب ونتائج الخذلان الذي يُواجه به المعتقلون والمخفيون قسرا في اليمن والمنطقة!
عبدالكريم المدي
من الملاحظ أن هناك سيادة جديدة لثقافة التجاهل وإهمال القضايا الإنسانية الجوهرية التي لا ينبغي أن يتم التعاطي معها ،وخاصة من طرف المعنيين، بهذه الطريقة والتجافي،الذين يُؤكدان هبوط المستويات والمفاهيم العامة للأخلاقيات ومبادىء الاعتراف بالآخر وقيم الحرية والعدالة .
والأمثلة على ذلك كثيرة،لكن يظل أكثرها ألما وانتفاءا للمبررات في تصورنا، قضية المعتقلين والمخفيين قسرا على خلفية الصراعات والحروب الطائفية والسياسية التي تسحق المنطقة العربية وتُبدد طاقاتها ،سواء كان ذلك في اليمن ،أو سوريا ،أو العراق ،أو ليبيا ،أو غيرها ، ففي اليمن على سبيل الذكر ، تؤكد تقارير حقوقية ،صادرة على خجل، بأن بعض الأطراف تعتقل وتخفي (5000) ألف شخصا ،ما بين حقوقيين وناشطين وسياسيين وإعلاميين وعابريّ سبيل ووووالخ..وقد مات منهم في المعتقلات (8)أشخاص.
وهذا بالطبع خلال عام واحد ولدى طرف واحد، فمابالنا بالعدد الكُلّي لدى كل الفرقاء ومنذُ بداية العدوان وإشعال الصراعات الداخلية ،سيما مع الغياب الكامل للنظام والقانون أو مراعاة أبسط المعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان .
ولعل الأمر الباعث على الحيرة هنا هو أن قضية كهذه لم تحظ باهتمام ملموس، سواء من قِبل الأمم المتحدة والهيئات والمنظمات التابعة لها ،أو من قِبل القوى السياسية والمنظمات الحقوقية والإنسانية محلية وعربية ودولية ..التي آثرت جميعها حكمة الصمت، ولم تُحرّك ساكنا تجاه هؤلاء الضحايا المنسيين في السجون لمُدد قد تصل إلى ثلاث سنوات في ظل ظروف إنسانية ومعيشية غاية في السوء، لم تُخفف من فداحتها التناولات البائسة لها، ولا الوقفات الاحتجاجية التي تقوم بها بعض أمهات وزوجات المعتقلين هنا وهناك،ويُقابلها السجّانون غالبا، إما بعدم الاكتراث،أو بقمعها وإفشالها في الدقائق الأولى لانطلاقها.
وأمام كل هذا الخذلان لا ندري ما الذي يجري؟ ماالذي أصاب القوى الحية في المجتمعات التي تتعرض لهذا النوع من الانتكاسات وأعمال التجريف في المرؤة والشهامة والقيم الإنسانية والحقوق الآدمية؟
هل مردُّ ذلك يعود للشعور بالإحباط والتسليم بعدم الجدوى من أي محاولة تُجرى للحد مما يحدث ،أم أنها سطوة وسيطرة الأيديولوجيات التي يُوظّف فيها الدين لخدمة الاستبداد ومصادرة ونفي أي مختلف أو معترض على التجاوزات ؟
ومن المفيد هنا الإشارة إلى أن هذا التردي والتراجع الحقوقي الكبير في بلد كاليمن ساعده كثيرا تغيّب الدستور الذي قد صار شبه عاطب في الأدراج، ومعه المعاهدات الدولية الموقِّعة عليها الحكومة اليمنية والملزمة بتنفيذها..على اعتبار أنها تأتي في المرتبة الثانية بعد الدستور.
إن طرح وإثارة هذه القضية يجب أن يحظى بالأولوية على بقية الأطروحات بما فيها السياسية،ومن يُريد المناقشة أو الاعتراض على هذا الكلام من قبيل تبنّي رؤية هذا أو ذاك، نقول له : هات لنا طرفا واحدا من الأطراف التي تُسيطر على مقاليد الأمور وتُمارس الاعتقالات ،كـ الحراك الجنوبي والإمارات مثلا، في المحافظات الجنوبية، حيثُ تُحدث هناك أفظع وأفدح الانتهاكات لحقوق الإنسان، أو في المحافظات الشمالية الخاضعة لسلطة أنصار الله..هاتوا لنا طرفا يحترم حقوق الإنسان ،أو حتى يعلم بوجود مواد في دستور البلاد كالمادتين (47) و(49) والفقرات التي تتبعهما وتنصُّ على الآتي :
– لا جريمة أو عقوبة إلا بناء على نص شرعي أو قانوني ..وكل متهم بريء حتى تثبت إدانته.
– تكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتُحافظ على كرامتهم وأمنهم ويحدد القانون الحالات التي تُقيدُ فيها حرية المواطن.
– لا يجوز القبض على أي شخص أو تفتيشه أو حجزه إلا إن كان متلبسا،أو بأمر من القاضي والنيابة العامة وفقا للقانون.
-كل من يتم القبض عليه بصفة الاشتباه يجب أن يُقدم إلى القضاء خلال(24) ساعة .
وحول هذه الأخيرة، هناك بالطبع معتقلون لدى جميع الأطراف قابعون في السجون منذُ (3) سنوات، ولم يُقدموا للمحاكمات.
كما أن هناك معتقلين منذ عدّة أشهر،والبعض منذُ عدّة سنوات ،ولايعلم أهلهم عنهم شيئا ، مثل” قعطوب الوصابي”، و” مجيب الرحمن المهنا” بينما تنص الفقرة (د) من المادة (49) لدستور الجمهورية اليمنية على أنه يجب عند القبض على أي شخص إخطار الشخص الذي يختاره المقبوض عليه فورا.
إذن نخلصُ إلى أننا في الواقع أمام عدة مستويات وأنواع من الاغتراب والانتهاكات الإنسانية ،التي لم تتوقف عند كوارث العدوان ونتائجه التدميرية المباشرة على هذا الشعب،كـ التشريد والتجويع وانتشار الأمراض الفتاكة وتفكك الأسر ، وفقدان الأحبة ،ما بين شهداء وجرحى، بل تجاوزتها إلى مآسي وانتهاكات من نوع آخر قد تكون أشد قساوة وتعذيبا للناس ، كالاعتقالات والاخفاءات القسرية للكبار والصغار خارج القانون ،وما يعنيه هذا التجاوز للمعتقلين وأسرهم بصورة خاصة،وانسجام المجتمع وتماسكه بصورة عامة،سيما إذا ما علمنا بأنه يفرض على الأفراد والجماعات حالة من غياب اليقين وانعدام الثقة بالنفس والآخر والمستقبل ومبادىء العدالة.
لذلك نعتقد إن أي صراعات يغيب عنها احترام القوانين والأخلاقيات، فإنها تقود الناس إلى الفناء والمجهول، وكثيرا ما يطغى عليها إفيون الطائفية والثقافات الأيديولوجية التي تحول أصحابها وأدواتهم (حُرّاس القمع والظلام والإقصاء) إلى فراعين كل همهم هو إرضاء رؤسائهم من خلال الاستحواذ والسيطرة المطلقة على كل شيء بما في ذلك إرادات الناس وعقولهم وضمائرهم وحقوقهم..
وفي هذه الحالة تظهر بجلاء الملامح الأولى لكوارث السياسات الخاطئة التي يُجيز أصحابها لأنفسهم جريمة انتهاك الحقوق الإنسانية والوطنية والدفع بعجلة تفكّك المجتمعات وانقراضها كدول.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/10/08