المصالحة والتسوية والتضليل الإسرائيلي
بسام أبو شريف
قد يرى البعض في ما طرحه وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان حول «التسوية مع الفلسطينيين»، موقفاً جديداً، لكن الأمر ليس كذلك. وقد جاء قرار بدء المصالحة بين تنظيمي «فتح» و«حماس» كخطوة مفاجئة للكثيرين، ذلك أن هذا القرار ذلّل وبسرعة تصل إلى حد المعجزة كافة الأسباب التي كانت تمنع اتخاذه، وأهم هذه الأسباب كان البرنامج الوطني لمواجهة الاحتلال.
كان لـ«حماس» تعارضاتها الداخلية التي عبّرت عن نفسها بتوجهات سياسية وميدانية مختلفة، انتهت بإعادة دفة القيادة لقيادة «حماس» في غزة واختيار قائد جديد لـ«كتائب القسام». لكن البارز جداً في برنامج «حماس» الأخير والذي أعلن قبل اتفاق المصالحة مع «فتح» هو إعلان الحركة انحيازها لـ«محور المقاومة» الذي تدعمه إيران في المنطقة، أي ابتعادها عن قطر، أو التقليل من اعتمادها السابق عليها. خاضت «حماس» حواراتها في القاهرة حول المصالحة بعد إعلان هذا البرنامج، واتخذت قرار إلغاء الموانع وهي ملتزمة بهذا البرنامج. جاء ذلك بعدما أعلن الرئيس محمود عباس برنامجه وأكده في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو برنامج «الكفاح السياسي والدبلوماسي»، وليس المقاومة المسلحة. هذا يعني أن قرار المصالحة لا ينهي التعارض في البرنامج السياسي الذي تتبناه «حماس» والبرنامج السياسي الذي تتبناه «فتح»، وبطبيعة الحال همّشت مواقف التنظيمات الأخرى في ظلّ مصالحة التنظيمين الكبيرين.
وبرغم سعادة الفلسطينيين بالمصالحة، إلا أن قلق الفلسطينيين حول المستقبل لم يتبدد، خصوصاً وهم يشاهدون ويلمسون ابتلاعاً إسرائيلياً يومياً لأملاكهم وأراضيهم ويعانون منه، ويرون بأمّ أعينهم عمليات الهدم والمصادرة والاستيلاء على الأرض والتمدّد الاستيطاني السرطاني في كل أنحاء الضفة الغربية.
ويعرف الفلسطينيون أن جاريد كوشنر، زوج ابنة الرئيس دونالد ترامب، والمكلف بمتابعة ملف الشرق الأوسط والتسوية، وديفيد فريدمان سفير أميركا في إسرائيل الذي يتابع بغياب كوشنر، هما من أكثر الصهاينة اندفاعاً للاستيلاء الإسرائيلي على كامل الضفة الغربية (يهودا والسامرة)، وتهويد القدس الكبرى تهويداً يقوم على التهجير القسري والعنصري. وجاء كلام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد قرار المصالحة واجتماع حكومة السلطة في قطاع غزة ليؤكد من دون مواربة على:
أولاً، الاستمرار في الاستيلاء على الأرض الفلسطينية.
ثانياً، التوسع الاستعماري الاستيطاني.
ثالثاً، اعتبار إسرائيل دولة «من النهر للبحر» وأرض لا يقيم عليها من الفلسطينيين إلا من تريدهم إسرائيل.
رابعاً، الرفض التام لإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، حتى وإن كانت على جزء من الأرض التي احتلت عام 1967.
وعزفت الفرق الإسرائيلية لحنها، إذ قال ليبرمان: «انتصر الأسد (!). التسوية ممكنة مع الفلسطينيين ضمن تسوية استراتيجية شاملة في المنطقة» (لم يحدّد أيّ تسوية، ولم يذكر الدولة، ولم يشر لحدود عام 1967)، فهي تسوية مبنية على المجهول لما سيحصل عليه العرب والفلسطينيون، ومبنية على المعلوم لما ستقبضه إسرائيل من اعتراف وتطبيع علاقات اقتصادية ودبلوماسية مع كلّ الدول العربية.
رغم سعادة الفلسطينيين بالمصالحة، إلا أن قلقهم حول المستقبل لم يتبدد
ويركز نتنياهو على رفض إشراك «حماس» كطرف من أطراف السلطة إلّا إذا حلّت جهازها العسكري (وبطبيعة الحال تجريدها من السلاح) وقبلت بما تريده إسرائيل. ويقرر إقامة مزيد من المستوطنات على الأرض العربية جنوبي بيت لحم ويقول إنها أرض إسرائيلية وستبقى إسرائيلية للأبد!
يستشف من هذا الخليط من التصريحات ما يلي:
أولاً، أن هنالك فكرة لمشروع تسوية إقليمي.
ثانياً، أن دولاً عربية مكلفة بتهيئة الأرض لتنفيذ هذا المشروع.
وبما أن ميزان القوى أظهر ميلاً لصالح «محور المقاومة» في العراق وسوريا، فإن جزءاً من هذا التحضير هو بتجديد الهجمة الإمبريالية الصهيونية على العراق وسوريا، لأنهما دولتان ترفضان التطبيع مع إسرائيل وتشكلان محوراً أساسياً في جبهة القوى المقاومة للمخطط الإمبريالي الصهيوني. لذلك، أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر لمسعود البرزاني، وكانت إسرائيل مؤيدة علناً لإعلان الدولة الكردية (أي إسرائيل ثانية في الشرق الأوسط)، تحقيقاً للشعار الصهيوني «من النيل للفرات». وكان سفير الولايات المتحدة في إسرائيل ديفيد فريدمان استبدل هذا الشعار بتعبير «من البحر المتوسط للفرات». وبناء على توجيهات واشنطن قامت دول خليجية والسعودية بالإسراع بخطوات تطبيعية خطيرة وتشق الستار عن تعاون اقتصادي وتجاري وعسكري بين السعودية وإسرائيل منذ سنوات.
هذا يعطينا فكرة عما تخطط له واشنطن لما تسميه «تسوية». وللضغط على سوريا والعراق قررت الإدارة الأميركية أن تقود الهجوم بالتعاون مع إسرائيل ضد القوات العربية العراقية والقوات العربية السورية والتخطيط لضرب «محور المقاومة»، وعلى رأسه حزب الله اللبناني وحزب الله العراقي وأنصار الله في اليمن. وليس خفياً على أحد أن واشنطن تعتبر سوريا «مربط الفرس»، وأن الأولوية هي لمنع انتصار الجيش العربي السوري انتصاراً حاسماً في المعركة ضد الإرهاب. ويستدل على ذلك من ارتكاب البنتاغون أخطاء كان من الممكن أن تؤدي إلى اشتباك روسي أميركي لا أحد يعرف عاقبته. فقد قصفت القوات الأميركية المندفعة إلى دير الزور (من أحضان البرزاني) موقعاً للعسكريين الروس. وتستخدم القوات الأميركية علم منظمة «سوريا الديموقراطية» (الكردية)، وتشكل هذه المنظمة أداة المخابرات الأميركية لمنع انتصار الجيش العربي السوري وللسيطرة الأميركية على حقول النفط والغاز الغنية في هذه المنطقة (الرقة ـ دير الزور ـ الحسكة). وقد أفادنا مصدر ملمّ بالوضع هناك بأن البنتاغون زج حتى الآن أكثر من 12 ألف ضابط وجندي بمختلف الأسلحة (برغم أن الإعلان الرسمي يتحدث عن قوات تدعم ولا تزيد عن أربعة آلف).
وراء الأكمة ما وراءها، إنهم يسرعون بتبديل وتعديل الخطط ولم ييأسوا من السيطرة على المنطقة.
إقرار ليبرمان بانتصار سوريا محاولة تضليل أمام ما تقوم به القوات الإسرائيلية من تمدد في الأرض السورية خارج خط وقف إطلاق النار، وما ترسله إلى منطقة درعا، وما تطبخه هي و«النصرة» و«داعش».
واعتمد البنتاغون الخطة التي كانت إدارة أوباما قد رسمتها، وهي التحالف مع «داعش» للضغط على النظام في سوريا لابتزازه، ولذلك فإنّ الإجرام الأميركي يتجلى الآن على الشكل التالي:
أولاً، التعاون مع «داعش» ومده بأسلحة وذخائر وسيارات مصفحة ومدافع ميدان ومضادات لشن هجمات في أكثر من مكان لإرباك القوات العربية السورية وتأخير تحريرها لدير الزور الذي كاد أن يتم.
ثانياً، ارتكاب جرائم وحشية لإبادة العرب في الرقة، وتحويلها إلى مدينة يملكها الأكراد حتى تصبح قاعدة لهم على نسق ما فعله البرزاني ولذلك قاموا بتمثيلية التصويت على «الفدرالية أو الكونفدرالية». إنهم يريدون الاستفادة من إطالة أمد المعارك، لذلك علينا أن نقصر هذا الأمر وبسرعة.
إذا كان الأميركيون يتعاونون مع «داعش» ويدعمونه، وإذا كانوا يرفعون أعلام «مسد» ويسيطرون على حقول النفط، فإن حرب أعلام «مسد» التي تقاتل الجيش العربي السوري تصبح ضرورة وواجباً وشيئاً مشروعاً. وإذا كان الأميركيون يختبئون تحت علم «مسد» ليذهبوا ضحية كذبهم وتآمرهم لأن الضربات لم تستهدفهم، بل استهدفت من أعلن «مسد»، أنها لن تسمح للجيش العربي السوري بالتقدم في دير الزور، أما «داعش» فإن الأمر يتطلب ضربه بلا هوادة والتفتيش الدقيق في كافة المواقع التي أخرجه منها الجيش العربي السوري من مخابئ الأسلحة الثقيلة والصواريخ.
إن رفض المشاريع الإقليمية واجب. فلا تسوية مع إسرائيل، بل المطلوب هو انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي التي احتلتها عام 1967، والقدس الشرقية في مقدمتها.
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2017/10/11