البطل حبيب والخائن بشير
إبراهيم الأمين
حيلة من يعاني ضائقة الفعل اليوم، العودة إلى قديمه. هي حال «القوات اللبنانية» وفريقها السياسي، بمن فيهم يتامى الجبهة اللبنانية ما غيرها. ليس لدى هؤلاء اليوم من خطاب، أو شعار، أو أغنية، غير ما يعيدنا إلى سنوات الحرب الأهلية. لم يتوقف الزمن عند هؤلاء فحسب، بل توقف العقل أيضاً. لا خيال ولا إبداع حتى في عملية إحياء عصبية دينية أو سياسية أو حزبية.
وما من مجد يراه هذا الفريق إلا ما يرونه مجداً، عندما حرقوا البلاد، وقدموها لكل غزاة الكون، من العرب إلى الإسرائيليين إلى الأوروبيين والأميركيين. ثم عادوا بعد كل هذا الخراب يتفاخرون بمجدهم ــ جرائمهم، إذ بينما يفترض أنهم يحتفلون أمس بالعدالة التي انتصرت لقضية أكثر رموزهم التصاقاً بالعمالة للعدو، لا يجيدون سوى إرفاقها بالاحتفال بمجازرهم. وهو ما فعلته ستريدا جعجع، عندما قالت إن إعجابها بسمير جعجع نابع من كونه «دعوَس الزغرتاوية»، وهي تتذكر مجرزة إهدن التي هاجم فيها جعجع مع مجموعة من مقاتليه مركز زعامة آل فرنجية، قاتلاً ابنهم طوني وأفراداً من عائلته. تبدو ستريدا في هذه اللحظة مسرورة بإرث يشبه حقيقة «القوات»، ويكشف موروثاً غير منسيّ، فيه ما بقي ثابتاً من عادات وأنماط تفكير لجماعة لم تخرج بعد من عقلها الذي قاد البلاد إلى حرب أهلية، يبدو أن هناك من يحنّ إلى زمانها!
من يشارك في ملاحقة «الأخبار» في قضية حبيب، مهما كان موقعه أو اسمه، سنعتبره منتمياً إلى فريق «الاحتلال الإسرائيلي وعملائه»
أمس، احتفل بضعة آلاف (في منازلهم) وبضعة مئات (في الشارع) بقرار المجلس العدلي الحكم بالإعدام على المقاومَين البطلين، نبيل العلم وحبيب الشرتوني بجرم اغتيال بشير الجميل. لم يكتفِ المحتفلون باعتباره نصراً، بل طالبوا بأن يكتمل عبر «اعتقال المجرمين»، ثم الذهاب نحو تجريم الحزب السوري القومي الاجتماعي باعتباره التنظيم الذي ينتمي إليه العلم والشرتوني.
لنضع اللحظة العاطفية لمحبّي بشير الجميّل جانباً. فهذه عوارض لا علاج لها. لكن للرجل إرثه الحقيقي عند لبنانيين، بعضهم كان رفيقاً له في الكتائب أو «القوات»، وبعضهم صار اليوم مستقلاً يندب حظه العاثر، وبعض ثالث التحق بقوى وأفكار مختلفة. لكنهم جميعاً يحنّون إلى الزمن الأحب إلى قلوبهم، يوم كان بشير الحلم، ويوم وصل إلى رئاسة الجمهورية، ثم يوم جاء من أطفأ الحلم بكبسة زر وتوقف الكلام... وهذه العودة مهمة لتوصيف ما حصل بالأمس، وما حصل يومها، وما قد ينعكس علينا في القادم من الأيام.
عملياً، يرى هؤلاء أن بشير بطل، ولا يريدون أي مراجعة أو نقد. وعند هذا الحد، يجري تقديس الرجل، ويراد لبقية الناس أن تتصرف على هذا الأساس، بينما لم يكن بشير الجميّل سوى مجرم حرب صغير، وسليل عائلة سياسية اشتهرت بالعنصرية والتعصّب الديني والاجتماعي، وتسبّب حزبها بويلات على المسيحيين ثم على جميع اللبنانيين وعلى المنطقة أيضاً. وكان بشير يمثل ذروة هذا المشروع محلياً، عندما قام بتصفية جميع خصومه المسيحيين، وألزم المعارضين بالطاعة له. ولكن هذه الذروة كان يراد لها أن تكون على مستوى لبنان. ولذلك، لم يكن متاحاً لبشير، بما يمثله، سوى انتظار العدو الإسرائيلي، الذي يتولى سحق الخصوم، قبل أن يتم تنصيبه رئيساً للجمهورية، وهذا ما حصل.
لكن المشكلة أن محبّي بشير، أو المتعاطفين مع قضيته حتى اليوم، يصرّون على تجاهل هذه الحقيقة، وبالتالي، هم لن يفهموا معنى قرار «مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وعملائه»، هذه العبارة التي كانت تتقدم أو تذيل بيانات جبهة المقاومة الوطنية وأحزابها، وبالتالي، اعتقدوا أن بشير لا علاقة له بما تقوم به إسرائيل، وأنه خارج الحساب. لكن مثلما فوجئوا هم بمصرعه في وقت سريع، أيضاً فوجئ أنصار المقاومة بقدرات التخطيط والجاهزية العالية عند المقاومين القوميين، عندما نفذوا «حكم الشعب» بإعدام بشير. وحكم الشعب هنا يمثّل غالبية لبنانية، بعكس «حكم الشعب» الذي صدر أمس. ومهما قيل عن القضاء والقضاة، فما صدر أمس حكم يعود إلى زمن الحرب الأهلية، والى زمن سلطة كانت تحت وصاية الاحتلال وعملائه. وليس فيه من العدالة شيء.
أمر آخر، يتعلق بنوبة الهستيريا التي تسود الأوساط الإعلامية والسياسية لأنصار بشير، والتي تسعى، بموافقة جهات رسمية لبنانية، لأن تلاحق «الأخبار» والرفيق ايلي حنا، ربطاً بالمقابلة التي نشرت قبل يومين مع البطل حبيب. من المفيد لفت انتباه هؤلاء، إلى أنه، وفي قضايا لها بعدها الوطني، فإن «الأخبار» بغالبية العاملين فيها، لا تكترث لكل القوانين والإجراءات مهما كانت السلطة متعسفة، وان أصل استدعاء ايلي إلى التحقيق لن نقبله، وسوف نقاومه، وسوف نعتبر كل من يشارك فيه، وزيراً أو قاضياً أو مسؤولاً أمنياً، أنه ينتمي إلى فريق بشير في حياته، أي إلى فريق «قوات الاحتلال الإسرائيلي وعملائه»... شاء من شاء، وأبى من أبى!
وبما أن المحتفلين بالحكم يريدون إضافة اسم المجرم إلى جانب اسم حبيب الشرتوني لاغتيال البطل بشير، ويقولون إن ذلك يحاكي وجدان فئة من اللبنانيين، فمن المفيد القول أيضاً، وبنفس اللغة، إن الحكم على البطل حبيب الشرتوني، لتصفيته مجرم الحرب بشير الجميل، يستفزّ فئة أوسع من اللبنانيين، وإن من لا يتحسّسون وصمة العار على جباههم، رغم كل ما مروا به من ويلات سببها بشير وعائلته السياسية، فإن ما يرونه إنجازاً، هو وسام استحقاق كبير على صدر حبيب ومحبّيه الذين سيظلون يهتفون: لكل خائن حبيب!
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2017/10/21