ثرثرة فوق البرميل
شاهر النهاري
لا يخلو مجلس سعودي هذه الأيام من الثرثرة فوق سقف برميل الزيت، وتداعيات الميزانية، باختلاف ثقافات المجتمع في النبع والعمق والمشارب، فمنا من لا يزال يجري خلف الإبل، ومنا من درس في السوربون، ومنا من شرب ملح التشدد وضيق الأفق، ومنا العسكري المنتظم، والتاجر الشاطر، والمثقف المتخصص، والعنصري الأعمى، ومن اشترى شهادته، أو بلغ منصبا يستعصي على أكبر الشهادات.
ولا بد في مثل تلك المجالس من حلقات وصل ممن يأكلونها وهي والعة، ومن يجيدون الهياط، والمعتدلين ممن يهزون رؤوسهم كي لا يجرحوا خاطر متصدري المجالس، ومنا من يتكلم بمعرفة حقيقية أو بدراية ظنية يدعيها.
ونجد من يحاول رفع قيمة صاحبه إلى النجوم، فيفرش له ديباجة ممجوجة من التغزل في قدراته ومناصبه، وبلوغه حدود الرؤية الأشمل والتنظير الأمثل.
ومنا من يستنكر قول الآخر ويهشمه، ومنا من يحلق في فلك بعيد النبضات على اعتبار أنه يعرف ما الذي يجري في أروقة سياسة الكرملين، أو أن السياسة الأمريكية لعبته!.
وقد كنت مؤخرا طرفا في حراك أحد تلك المجالس، وكان شاغلنا البرميل المسخوط سقفه، والميزانية بثوبها القصير، فكانت الفرصة متاحة لكل طرف بأن يدلي بما يعرف، أو بما يتخيل معرفته.
الموازنة كانت تشكو العجز، والنية الحكومية معقودة على بدء نوع من ربط الحزام، للعبور من هذه الأزمات الحربية والسياسية، والبترولية الاقتصادية، وأزمة تخمين المستقبل، والالتزام بالعهود، وتدشين الواقع.
التخرصات تكثر، والآمال تزداد وتنقص، وعين الشك والطموح تبحث عن شمعة تضوي.
هل يجب أن يبدأ الإصلاح من الأطراف برفع قيمة الخدمات على المواطن، وفرض الرسوم؟.
أم إن الإصلاح يجب أن يكون من رأس الهرم، حيث يتم الترشيد في مصروفات الحكومة أولا، وزيادة الشفافية، وردع الفساد أيا كان المتسبب فيه.
ألا يجب على القطاع الخاص البدء في رد الجميل للدولة، أم إنه سيستمر في مص خيراتها، وشفط ما في جيوب المواطنين بدون رادع.
هل يستمر المقيم بالعمل والمتاجرة ومنافسة المواطن، دون فرض نظام يرتب ذلك.
هل سيستمر نظام الكفيل، وامتلاك البعض لمئات الفيز لاستقدام العمالة وتسخيرها، بينما يعجز عنها المحتاج.
هل سيصبح هناك مردود حقيقي للرسوم على المواطن، بحيث يشعر أنها تعطيه قيمة وتميزا وخدمات أرقى، وتعاملا مريحا مفيدا.
هل سيتمكن التعليم من استيعاب احتياجات الزمن القادم من تنوع الوظائف، أم سيستمر في ابتعاث وتخريج المدراء.
هل ستتساوى فرص الضمان الصحي للمواطن، وتستحدث وسائل نقل بديلة ميسرة للجميع.
هل فعلا لن تتأثر الطبقة المحدودة الدخل، أم إن الطبقة الوسطى ستضمحل قريبا.
هل في حالة توقف الحرب، ستتم إعادة تمكين الصناديق القيادية مثل المعاشات، والتأمينات، حتى لا يتم تهديد مستقبل المتقاعدين.
هل وهل، وألف هل، والإجابات تكون مرات بيقين، ومرات بتخمين، ومرات بهموم عصيان سقف البرميل وتحديات عجز الميزانية.
ويهمس صوت من أقصى المجلس بدعاء بأن يتحقق من هذه الميزانية النماء المتوقع، وأن يصلح حال القائمين عليها، وأن يهبهم القناعة، وألا يفلت علينا أشرار التجار فيرفعوا علينا الأسعار.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/01/02