بركان طائفي وأزمة اقتصادية
منصور الجمري
الأزمة التي بدأت في سورية بعد فترة وجيزة من اندلاع أحداث الربيع العربي في مطلع 2011 تسمّمت بالطائفية، ومن ثم انتقلت إلى العراق، وتفاعلت مع مجمل الأحداث في المنطقة، وحوّلت كل ما يجري من حولنا إلى سجالات للتحشيد الطائفي، كوسيلة للتناصر والتناحر وتوزيع الاتهامات. كل ذلك أصبح يؤثر سلبياً على استقرار بلدان المنطقة، وأصبحنا نعيش على بركان طائفي يتحرَّك مع كل حدث، ويُحرِّك الأوضاع باتجاهات غير حميدة.
لقد أوضح بحث نشرته مؤسسة «كارنيجي» في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2015 انعكاس السجالات الطائفية على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»؛ ونرى كيف أن التحوُّل الرقمي الذي يساعد البلدان الأخرى لخلق فرص جديدة في الاقتصاد والسياسة والاجتماع، أصبح في منطقتنا منصّة للصراع الطائفي. كما نرى أن أصوات التقارب والتعاون تختفي في أكثر الأحيان تحت ضغط من يتغذى على خطابات الكراهية الطائفية. وكما أشار البحث المذكور، فإنّ أعمال العنف أصبحت توأماً لشبكات المواقع الاجتماعية في تصاعد وتيرة الصراع الطائفي، وبيّن البحث أن ما يفوق على 7 ملايين تغريدة باللغة العربية بُثَّت بين فبراير/ شباط وأغسطس/ آب 2015، (بمعدل مليون تغريدة في الشهر)، وجميعها تشارك في السرديات الطائفية وخطاب الكراهية على مدار الساعة.
هذا البركان يستعر فيما تشهد المنطقة أزمة اقتصادية بسبب هبوط أسعار النفط، وهو ما أدّى إلى حدوث عجز في الموازنات العامة. وهذا يعني أن ما كان متوافراً في مطلع العام 2011 من وفرة نقدية خفّفت قليلاً من الآلام والضغوط، لم تعد متوافرة الآن، بل إن الحديث المستمر عن شَدّ الأحزمة يعني أن المشكلات التي نواجهها تحتاج إلى أمر معاكس للسجال والصراع الطائفي... إننا بحاجة إلى ديناميكية تعاونية، وتآزر وتضحيات، وإدراك بأنّ المستقبل يتطلب بذل الجهود بصورة مختلفة.
على أن استمرار توتر الأوضاع يعني أن الديناميكية المطلوبة للخروج من الأزمة الاقتصادية لا تتوافر لنا بسهولة. ذلك لأن رؤية أفق أكثر تفاؤلاً تحتاج إلى وضع حَدٍّ للغليان الطائفي الذي يكثر من التشنُّجات، ويعظّم الآلام، ويُنهك إمكانات الجميع، ويصعِّب استعادة الحيوية الاقتصادية، ويعكّر الاستقرار. لكي نخرج مما نحن فيه، فإننا بحاجة إلى تماسك النسيج الاجتماعي، وإلى بيئة تعدُّدية متسامحة مبنيّة على الثقة بين مكونات المجتمع.
الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/01/03