الموروث حالة فقدان دائم
عبده خال
هل وصل إلينا كل الموروث؟
وهل ما تم تحويله من موروث إلى إرث تم انتقاصه في عملية التحويل بفعل مرور الزمن؟
هذان السؤالان يعيداننا إلى مناقشة عمق دلالة مفهوم الكتابة بسؤال:
هل كانت الكتابة أمينة في نقل الموروث أثناء تغير وتبدل الأزمان؟
وهذا يعيدني إلى الجملة التقريرية التي قلت فيها: العالم ينتقل إلا أنه لا ينسى لغته وموروثه.
وإذا كانت الكتابة هي القاطرة التي حملت إلينا كل ما مرت به منذ عصر التدوين، فماذا عن ما قبل عصر التدوين من موروث مسرب بفعل عدم وجود حافظة، أي أن هناك موروثا وإرثا نفذا منا من غير تسجيل، ليصبح ما قبل التدوين هباء تم إنقاذ شيء منه بواسطة الحديث الشفوي المحفوظ وبقية القاطرات الناقلة لنا موروثنا القديم جدا مثل الرسم والنحت واللحن والغناء والأدوات المستعملة لتكون اللغة هي سيدة الحفظ القديم، فاللغة ليست كتابة فقط بل هي كل ما تم التواصل البشري من خلاله لتقريب الأفهام.
وهل نستطيع القول إن التدوين الكتابي حمل إلينا كل ما مر به من قيم وسلوك وعادات وتقاليد وأفكار.. بالضرورة سوف تكون الإجابة بالنفي من غير تحرز، ولو أخذنا مثالا بسيطا في عدم استطاعة الكتابة حمل كل ما تمر به ألا وهو الصوت، فالصوت يحمل كما كبيرا من الموروثات التي لا تخضع للتدوين وإنما على الحفظ كالألحان التي ظلت شريدة إلى ظهور تسجيل النوتة...
وهناك أصوات تلاشت كموروث وكإرث لأنها لم تجد الحامل الذي ينقلها عبر الزمن، وخير مثال لهذه الجزئية لغة صوتية مقترنة بالفعل، فتم تدوين الفعل وإسقاط الصوت كأفعال الرعي أو الصيد أو الفلاحة أو البناء.. فكل نشاط إنساني يقترن بصوت غالبا ما يسقط خلال التدوين، وكذلك الكتابة فإنها لا تسطيع حمل كل شيء أثناء التسجيل، فتتناثر وتتساقط أشياء كثيرة يتم اعتبارها زائدا لفظيا ليس له حاجة، وفِي التقرير هذا تغيب أمور كثيرة، فكل زمن تسقط الكتابة ما ترى أنه زائد.
وإذا وصلنا إلى هذا الزمن فإن المعارف تقودنا إلى أن كل شيء سابق لم توصله جميع الأدوات السابقة كاملا بل مارست الانتقاص لكل فعل أو فكر إنساني بالحط من قدره أو اعتباره من سقط المتاع، فمعارفنا الجديدة تتحدث عن الأبعاد أنه تم اكتشاف ما لا يقل عن ثمانية أبعاد ينتقل فيها الكون من زمن لآخر، وإذ علمنا أن البشرية لم تكن تعرف سوى ثلاثة أبعاد (الطول، والعرض، والارتفاع) فإن هذا يشير إلى أن المتغير الآن يحمل أحداث وأخبار الحياة بصورة مختلفة تماما عما كان عليه العالم، وتصبح الكتابة جزءا ضئيلا لا يقدر أيضا على حمل التفاصيل، إذ بإمكان الصورة أن تساعدها لأن تظهر ما لا تستطيع حمله..
ومن هنا يكون كاتب الرواية بحاجة ماسة للصورة، وهذا ما أعطتنا إياه الحياة من خلال السينما في بداية القرن الماضي، ومع اكتشافات الأبعاد الجديدة سوف تكون الكتابة جزءا ضئيلا من مكونات القاطرة التي سوف تلج للمستقبل.
صحيفة عكاظ.
أضيف بتاريخ :2017/11/03