طأفنة السياسة
منصور الجمري
التوتُّر الطائفي الذي تمُرُّ به منطقتنا ازدادت حِدَّتُه، وتأتي الاصطفافات الحالية لتصعد على مستوى إقليمي، وتتفاعل مع كلِّ حدث بما يُهدِّد بانزلاق الأمور نحو مسارات خطرة، وربما ليست في حسبان الكثيرين.
إنه وبعكس ما كان يُطرَحُ في مختلف الكتابات على مدى فترات طويلة، فإنّ الانقسامات الطائفيّة ليست نتيجة مؤامرة أجنبية، وإنّما هي من صُنع الثقافة المنتشرة في مجتمعاتنا. ولقد تعوَّدنا أن نمسع من كلِّ طرف إبعاد اللوم عن نفسه، وإلقاءه بالكامل على الأطراف الأخرى.
ثقافة لوم الآخرين متأصِّلةٌ في العادات والتقاليد التي ورثناها، وهذه تطوَّرت الآن لتأخذ مجالها بصورة أكبر وأخطر. وكنتيجة لإلقاء اللوم على الآخرين، فإنّه قَلَّمَا تجدُ من بيننا من يمارس نقداً ذاتيّاً. قد تجدُ ثقافات أخرى تعتبر المراجعة النقدية للذات واحداً من معالم القوة؛ لأنّ الفرد أو الجماعة تتمكن من تصحيح مسارها بذاتها. أمّا ما ينتشر في أوساطنا فيعتبر الاعتراف بالخطأ نوعاً من الضعف والإهانة غير المقبولة على الإطلاق.
ولذا، فإنّ نظريات المؤامرة، مثلاً، تنتشر في مجتمعاتنا؛ لأنّ هذا الطرف أو ذاك يبحث عن مَن هو خارج حدوده لإلقاء اللوم عليه في كلِّ شيء.
في عصر الدولة القومية التي نشأت بعد الحرب العالمية الأولى في منطقة الشرق الأوسط،، فإنّ الحدود التي تعرف الذات الجماعية كانت الحدود الجغرافية-السياسية لكلِّ بلد، على أساس مفهوم المواطنة والوطنية. ولكن، هذه الهوية الوطنية أصبحت أضعف من غيرها، وبرزت خلال السنوات الماضية الهويّة الطائفيّة بصورة أقوى، وذلك بسبب الخطاب الطائفي الذي انتشر عبر الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، ومن فوق المنابر، وعلى لسان السياسيين الذين انساقوا خلف هذا النهج. وعليه، فقد أصبحت الهويّة الطائفيّة هي الحدود التي يتحصَّنُ بها الفرد، ولأنّ الخطأ يُعتبَرُ عيباً، فلابُدَّ وأنّ المخطئ هي الطائفة المقابلة.
ويتبع ذلك موضوعٌ آخر؛ فبسبب انهيار الأطُر التي يمكن من خلالها التفاهم حول مختلف الأمور، فإنّ الخيار المتبقّي هو استخدام كل ما يمكن استخدامه لإثبات خطأ الآخر. إن طأفنة السياسة وتغليب الهويّات العابرة للأوطان تَنتُجُ عنها اضطرابات قد نعرف بداياتها ولكن تَصعُبُ معرفة نهاياتها.
الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/01/04