وقائع الاتصالات مع السعودية حول أزمة الحريري
إبراهيم الأمين
الرياض تطالب حزب الله بوقف دعم الحوثيين وطرد أنصار الله من بيروت (مروان طحطح)
على عكس ما كان السعوديون يريدون منها، جاءت المقابلة التلفزيونية مع الرئيس سعد الحريري ليل أول من أمس بنتائج عكسية. فهي، من جهة، لم تساعد في امتصاص النقمة اللبنانية بعدما أثبتت بالملموس أن الرجل ليس حراً في تصرفاته، ومن جهة أخرى زادت الغضب السعودي عليه.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن ظروف الرئيس الحريري ساءت في الساعات الـ 24 الماضية، بعد الانتهاء من المقابلة، بعدما ثبت للسعوديين أنها لم تحقق هدفها لجهة تهدئة الأجواء بين أنصاره وإرباك المساعي التي يتولاها الرئيس ميشال عون لتحرير رئيس الحكومة من معتقله السعودي. كما ساء سجّاني الحريري أنه أظهر نفسه متعباً وغير مرتاح، وأوحى بتصرفاته أن الأمور ليست على ما يرام، ولم يكتف بمغازلة الرئيس عون، بل ثبّت موقف لبنان لناحية أن الاستقالة ليست قائمة حتى عودته، كما أن سقف موقفه من حزب الله جاء متدنياً جداً.
الرياض ترفض استقبال إبراهيم أو عثمان وتطلب إبعاد نادر والمشنوق
وبعيداً عن الظروف الرديئة التي أحاطت بالمقابلة على أكثر من مستوى، وعن السجال المهني حيال مبدأ إجراء حوار مع رجل بات العالم كله يجمع على أنه ليس حراً، أقرّت مصادر دبلوماسية أوروبية بأن التقديرات الأولية التي كانت سائدة بأن الحريري حر الحركة تبدّدت سريعاً. وثبّت هذه القناعة تقرير من السفير الفرنسي في الرياض فرانسوا غويات إلى باريس، أفاد فيه أن الظروف التي أحاطت بزيارته للحريري لم تكن طبيعية على الإطلاق، وأن الأخير كان مرتبكاً، وكان اللقاء سريعاً وعاماً. وتبيّن لاحقاً للجانب الأوروبي أن الإجراءات حول منزل الحريري مشدّدة جداً، وأن عائلته ممنوعة من التواصل مع الآخرين، كما أن أفراد عائلة زوجته المقيمين في الرياض ممنوعون من زيارته. فيما هناك من يتولى تلبية الحاجات اللوجستية للمنزل من دون حاجة إلى التواصل مع الخارج.
وفيما تتواصل الاتصالات على أكثر من مستوى، عُلم أن الرياض تركز على مقايضة غير إنسانية مفادها: تريدون الحريري، أعطونا اليمن! واليمن، بحساب إجماع مصادر دبلوماسية، هو الكلمة المفتاح في كل نقاش مع الجانب السعودي. إذ أن الرياض تعتبر أن حزب الله هو الطرف الوحيد القادر على معالجة مسألة الصواريخ اليمنية التي باتت تصل إلى الرياض. ويجيب السعوديون كل من يسألهم حول أسباب تصعيدهم ضد لبنان وضد الحريري، بأن مشكلتهم مع الحريري «داخلية»، أما مع لبنان فأن الأمر بات «يتطلب إعلاناً لبنانياً رسمياً بضمان عدم تدخل حزب الله في النزاعات القائمة في المنطقة (اقرأ اليمن) وأن يعلن الحزب بنفسه هذا الالتزام».
واطلعت «الأخبار»، من مصادر دبلوماسية أوروبية، على بعض التفاصيل المتعلقة بالوساطات الجارية، وبنتائج مقابلة الحريري أول من أمس وانعكاساتها على هذه الوساطات. وتقول المصادر أن عائلة الحريري أخفقت في الوصول إلى أي جهة سعودية داخلية قادرة على المساعدة، خصوصاً أن احتجاز الحريري تزامن مع أكبر عملية قرصنة يقوم بها محمد بن سلمان ضد كبار المسؤولين وأمراء من العائلة الحاكمة، بحيث لم يعد أي مسؤول سعودي قادراً على التجرؤ على البحث في الأمر. ودفع ذلك آل الحريري إلى التواصل مع الأميركيين والفرنسيين والمصريين والأردنيين بحثاً عن حل، قبل أن يتبين أن فرنسا هي الجهة الوحيدة المستعدة لمناقشة الموضوع. وهذا ما لمسه أيضا الرئيس عون الذي لم يترك باباً إلا وطرقه، وهو مستعد للذهاب إلى أبعد مما يقدّر السعوديون في ملاحقة قضية «خطف رئيس الحكومة».
أمام سعد فرصة العودة للاستقالة ثم السفر إلى باريس واعتزال العمل السياسي
لكن المصادر نفسها أشارت إلى «جو من الإحباط» عاد به الرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون من زيارتيه إلى الأمارات والسعودية الجمعة الماضي. إذ لمس أن أبو ظبي ليست في وارد الضغط على السعودية، وأن ابن سلمان ليس مهتماً بالاستجابة للوساطة الفرنسية. وحصل ذلك فيما كان المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم يجتمع مع مدير الاستخبارات الخارجية الفرنسية برنار ايمييه في باريس، ويشرح له المعطيات اللبنانية التي تؤكد أن الحريري قيد الاحتجاز. ولفت إبراهيم إلى أن تصريحات وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان في صباح اليوم نفسه عن أنه لا يعتقد أن الحريري غير حر في حركته، غير صحيحة، وتوفر تغطية لما تقوم به السعودية. وقد تفهّم الفرنسيون الأمر، وترجموا ذلك ببيان صدر عن الخارجية الفرنسية في وقت لاحق تضمن الإشارة إلى ضرورة عودة الحريري إلى لبنان. لكن ذلك لم يشكل عنصرا دافعا نحو حل سريع للازمة. فقد أبلغ الفرنسيون جهات معنية في لبنان، لاحقاً، رفض الرياض الدخول في أي مفاوضات مع لبنان حول مصير الحريري، وأنها ترفض أن يزورها أي مسؤول أمني لبناني لهذه الغاية. وتبين أن هذا الجواب السلبي جاء رداً على اقتراح بتوجه اللواء إبراهيم، أو المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان إلى الرياض. وسارع السعوديون إلى الطلب من ممثلهم الدبلوماسي في بيروت وليد البخاري بأن يعرض على رئيس الجمهورية إيفاد وزير الخارجية جبران باسيل للقاء الحريري والاستماع منه إلى حقيقة موقفه. علماً أنهم كانوا يعرفون أن الجواب سيكون بالرفض، لأن البخاري سبق أن أطلع على موقف عون الرافض لزيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى السعودية في ظل استمرار احتجاز الحريري.
شروط الرياض
وبحسب المصادر الأوروبية، فأن حصيلة الاتصالات والمعطيات التي تجمعت حول اعتراض الرياض على الحريري، تفيد بالآتي:
أولاً، فهم المتصلون بالسعوديين أن الضغط القائم قد يفتح الباب أمام حل وحيد، يتضمن عودة الحريري إلى بيروت وفق اتفاق يقضي بتقديم استقالته والسفر إلى فرنسا واعتزال العمل السياسي، فيما تطرح باريس الاتفاق على عودته وقبول استقالته وتكليفه تشكيل حكومة جديدة، من دون تأليفها قبل التوصل إلى تسوية سياسية جديدة.
في حال بقي الرفض لخلافة بهاء، تنوي السعودية اختيار بديل من بين قيادات «المستقبل»
ثانياً، تعبّر الرياض عن استياء شديد من الحريري وتعتبر أنه خالف ما تعهد به ولا تأخذ بتبريراته حول عدم قدرته على مواجهة حزب الله أو إقناع الرئيس عون بمساعدته في مواجهة الحزب.
ثالثاً، بات السعوديون على قناعة بأن الحريري أضعف من أن يقود فريقهم في لبنان ولا قدرة له على مواصلة مهماته، وهم أصلا يخشون من أنه، في حال عاد إلى بيروت، قد يتراجع عن أي التزام معهم، وعندها قد يبقى رئيسا للحكومة من دون أي تغيير. وبدأت الرياض البحث ليس عن خليفة للحريري فحسب، بل في تغيير كل الصف القيادي القريب منه. ويحمل المسؤولون السعوديون بالاسم على نادر الحريري ونهاد المشنوق باعتبارهما مشاركين في «إضعاف الحريري»، ويقولون إن لديهم معلومات من جهات لبنانية ــ يشار بالاسم إلى «القوات اللبنانية» ــ بأن نادر الحريري والمشنوق أبرما اتفاقات مع عون وصهره جبران باسيل وحزب الله لتسهيل حصولهما على نفوذ كبير في السلطة.
وتلفت المصادر إلى أن الرياض تعتقد جازمة بأن الحريري لا ينبغي أن يقود الانتخابات المقبلة. وفي حال بقي الرفض لتولي شقيقه بهاء المسؤولية، فأن السعودية ترى أنها قادرة على اختيار بديل من بين قيادات «المستقبل»، على أن تساعده في تنظيم تحالفات مع القوى السنية الأخرى.
ثمن حرية الحريري؟
وتلفت المصادر إلى أن السعودية «ليست في عجلة من أمرها»، وأن جواب الديوان الخاص بابن سلمان عن كل طلب بعلاج سريع للأزمة، هو الدعوة إلى الانتظار لبضعة أيام وربما لأسبوع إضافي، ما جعل الفرنسيين يسألون عما إذا كان هناك من هو قادر على التحدث مع الجانب السعودي غير الأميركيين. وتشير إلى أن الرئيس عون مستعد للذهاب فورا نحو مجلس الأمن، لكنه يقف عند خاطر آل الحريري الذين لا يريدون تفجير الأمور بصورة كاملة مع السعوديين.
وتعتبر المصادر الأوروبية أن السعوديين يتصرفون بكثير من الخفة مع الملف اللبناني عموما، إذ أنهم يريدون من الحريري تولي مهمة كبيرة جدا تتعلق بتغيير سياسات حزب الله في المنطقة. وأن الرياض مقتنعة بأن على لبنان المبادرة إلى إلزام الحزب بإخراج خبرائه من اليمن، ووقف كل أشكال الدعم السياسي والإعلامي والعسكري لـ«أنصار الله» داخل اليمن وخارجه، بما في ذلك إبعاد ممثلي الحركة من لبنان. وتضيف المصادر بأن السعودية المحبطة من عدم قدرتها على تحقيق نتائج سريعة خلال الأسبوع الأول بعد استقالة الحريري، باتت أكثر تشاؤماً، وتحديداً بعد الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي أقفل فيه النقاش حول موقف الحزب من الملف اليمني.
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2017/11/14