العنوان الحقيقي ليس إيران بل مقايضة القضية الفلسطينية باليمن..
فؤاد البطاينة
ما كان بودي أن أتكلم في موضوع اليمن باعتباره موضوعا مرتبطا بأوراق اللعبة الكبرى في سوريه. إلا أن الأزمة اللبنانية المفتعلة أزمة جاءت على خلفية فشل الحل السعودي في اليمن وتعقده ، واليمن كانت وما زالت هي أولوية الأولويات للنظام السعودي ، وبات يريد حلا بأي ثمن. وهنا فإن رضا أمريكا ودعمها المطلوب للسعودية بعد التهديد والوعيد لها لم يكن كافيا أن يقوم على المال وحده ، بل ربطه ترمب بضرورة الانفتاح السعودي على إسرائيل وتلبية طلباتها الممكنة وقبلت السعودية ذلك. وإذا وضعنا جانبا مجالات التنسيق المطلوب من السعودية على صعيد القضية الفلسطينية وأتينا إلى التنسيق على صعيد أزمة المنطقة فقد كان هناك تلاقي وتكامل إسرائيلي سعودي على أولوية كل منهما.
فأولوية إسرائيل هي حزب الله الذي يحجم حركتها ليس فقط في المنطقة بل داخل فلسطين. والحلول أمامها للتخلص منه كلها صعبه ومحاذيرها خطيرة عليها ، والمواجهة مع إيران كحل ليس مقبولا أمريكيا ولا أمنا إسرائيليا. أما أولوية السعودية فهي اليمن ثم اليمن. وما كان لها يوما اهتماما أكبر من هذا الجار العروبي الذي يمتلك كل أسباب القوة البشرية والسياسية والجغرافية مساحة وسواحل وممرات وجبال. وإذا ما فعَّلت اليمن قوتها السياسية بالاتجاه الصحيح فستشكل التهديد الأكبر على النظام السعودي ونظم دول الخليج برمتها. ولقد كان لتورط السعودية في اليمن وفشلها ووصولها لطريق مسدود العامل الحاسم في رحيلها عن سوريا ،والعامل الحاسم في تفجير صراعها مع قطر وفي أزمة الخليج ، وأخيرا العامل الحاسم في نهجها الشاهي الجديد.
وبهذا أقول أن قناعة قد شكلتها إسرائيل لدى السعوديين بتلاقي أولويتيهما تقوم على أن حزب الله هو الرقم الفاعل في دعم وتعزيز الحوثيين في التدريب والأشراف و التهريب ونقل الأسلحة والتكنولوجيا وبأن نموذجه سيحكم اليمن ، وأنه يمكن التنسيق والتعاون مع إسرائيل في محاصرة حزب الله في لبنان جغرافيا وتحجيمه. والخطة لتحقيق ذلك هي إحداث أزمة سياسية في لبنان تُفضي إلى فوضى داخلية باتجاه ما يشبه الحرب الأهلية والطائفية وخلط الأوراق المسيحية وصولا إلى تدويل المسألة.
ومن هنا فقد جاء هذا التغيير السياسي السعودي المفاجئ والمتسارع على خلفية تحالف سيكون مكشوفا بين إسرائيل والسعودية يستلزم ظهور الشاه السعودي فيها.وليكون هذا التغيير الجذري الأساس لتحالف استراتيجي بين النظام الحاكم وأمريكا على حساب صفقة تنهي القضية الفلسطينية ومكوناتها الأساسية مقابل حماية النظام السعودي ومصالحه الأساسية في إزالة الأخطار عنه. وتطلبت هذه السياسة وخلفيتها انقلابا سعوديا على الثقافة السياسية والاجتماعية والوهابية التي كانت سائدة منذ إنشاء الدولة. وهو انقلاب من شأنه أن يصنع بالضرورة معارضة عائلية وتحالفات جديدة يتلوها معارضه شعبيه سعوديه. والاتفاق مع إسرائيل يتساوق مع حجم الانقلاب على تلك السياسة ومع رعونة الانقلاب على نهج التعامل مع حلفاء السعودية من دول وأشخاص ومنهم الحريري.
وإذا استعرضنا الكثير من المؤشرات على قرب حدوث شيء في لبنان فإن وعد الحريري بالعودة لها بالذات خلال أيام سواء كان كلاما من رأسه او ملقنا به كان وعدا صعب التنفيذ وينطوي على أن بدء تنفيذ المؤامرة سيسبق هذه العودة ويبرر إلغاءها. فالمسألة في المحصلة ليست لبنان ولا إيران ولا الحريري ولا اعتقال أمراء بل مقايضة القضية الفلسطينية باليمن وبالحفاظ على النظام كأولوية ، والصيد الثمين المطلوب إسرائيليا وأمريكيا هو رأس حزب الله ومفهوم المقاومة بالمنطقة، وإن فشلت المؤامرة سيبحثون عن تعديلها أو عن غيرها.
إن نجاح خطة المعسكر الصهيوني هذه في لبنان يقوم على شق الصف اللبناني واختراق التحالفات القائمة والزعامات القائمة مسيحيا وإسلاميا سنيا بالذات وصنع مناقلات شعبيه وقياديه بين تياري 14 و 8 آذار وإقحام الفلسطينيين في اللعبة. والعمل جار على هذا قبل استدعاء الحريري وقيامه بالدور المطلوب لبدء الأزمة.. أقول جار مع قادة الفوضى المحتملين من كل الطوائف. وقد قامت مظاهرة في هذا السياق في طرابلس وفشلت. ويبدوا أن هناك وعيا كاملا لدى أصحاب المصلحة اللبنانيين في استقرار لبنان. إلا أن وسائل تنفيذ المخططات تكون متصاعدة وربما تصل في لبنان إلى استخدام العنف والتفجير وإدخال النصرة. فالأمر يعود إلى تقييم طرفي المعادلة المستهدِفة والمستهدَفة.
وإن سياسة النأي بالنفس والحياد لا مكان لتطبيقها في أي بقعة أو دولة بالمنطقة ، فذيول الأزمة القائمة لا تترك دولة أو شعبا فيها ، والمصالح فيها مترابطة والترصد مترابط ، ومن ينأى بنفسه سيكون مستباحا وسحقا مسحوقا. بل إن الحياد الإيجابي هو المطلوب وهو الحياد القائم على الدفاع عن النفس وحماية المصالح وما يفترضه ذلك من تحالفات ضرورية بعيدا عن الأيدولوجيات.
نكابر بالمحسوس إذا أنكرنا بأن حزب الله يملأء فراغا في لبنان لا يملأه في ظروفه إلا إسرائيل هيمنة ومذلة وذبحا واحتلالا ومن منا ينسى صبرا وشاتيلا، أو إذا أنكرنا إثباته بأن نهج المقاومة هو الطريق الناجح للتحرر والتحرير. ونحيد عن الواقع إن لم نقل بأن حزب الله لا يسيطر على القرار اللبناني في كثير من المسائل التي لا تمس المقاومة وسلاحها وهذا مثلب محل بحث واستفهام ويقودنا الى السؤال الكبير الذي تمثل الإجابة عليه تحديا لقيادة الحزب، وهو ، هل حزب الله جزءا من الصراع العربي الإسرائيلي وأن فلسطين بوصلته في كل الأحوال والظروف السياسية الإيرانية؟ بمعنى هل أن تبني إيران للحزب مرتبط بمشروع عربي تحرري وكيف، ونحن بتساؤلنا لا ننكر على إيران مصالحها ولا فضلها بفرض الكوابح على مشاريع الصهيونية في الوطن العربي، لكن المحصلة هي ما تهمنا.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/11/18