شركات التأمين.. تقلبات وغياب مرجعيات!
عبدالغني القش
التأمين بات أمرا لا مناص منه، فيجد المرء نفسه مجبرا على دفعه، فلا يمكن له تجديد رخصة السير لمركبته إلا بعد تسديده إلزاما، القناعة بجدواه شبه غائبة، والثقة فيه مهزوزة، وشركاته غالبا ما تتهرب بعد حصولها على قيمة بوليصة التأمين بإحالة العميل إلى أماكن بعيدة، بحجة أن تلك هي المقرات الرئيسية للشركات، ذلكم باختصار هو «التأمين»!
والمتأمل في المكاتب المنتشرة بجوار إدارات المرور يجدها صغيرة الحجم ولا يوجد فيها سوى موظف أو موظفين، وكل ما يهمهم هو الاستحواذ على أكبر قدر من المال بتسهيل عملية التسجيل وطباعة وثيقة هي في حقيقتها مجرد ورقة يرثى لحالها، فليس هناك بطاقة أو نحوها ليسهل حملها، وكأن الشركات تعلم يقينا أن المواطن لن يحمل الورقة في جيبه، ولو وضعها في المركبة فهي معرضة للتلف والضياع، ومعها يقال له اتبع ورقتك.
والمفاجأة أنك عندما تأتي لتقوم بالتأمين تتسابق تلك المكاتب على جذبك، ولذا تجد البون شاسعا بينها ربما يصل للضعف أحيانا، أي بزيادة قدرها 100%، وقد تغيرت الأسعار مؤخرا بشكل لافت للنظر.
ويندهش المرء من هذا التفاوت ولا تتضح له الأمور ألا مع أول حادث سير يقع له، فيدرك حينها أنه وقع ضحية لمكاتب هي في حقيقتها مكاتب تحصيل مبالغ ليس إلا، وعند مراجعتها يقال للمؤمن «نحن ليس بيدنا شيء والشركة الأم في إحدى المناطق الثلاث (الرياض وجدة والدمام)، وسنحيل الأوراق إليها وعليك الانتظار»، فيدخل ذلك المسكين في دوامة حتى يصاب بالملل وتضنيه كثرة الاتصالات والمراجعات ليصرف النظر عن الموضوع برمته محوقلا ومسترجعا رافعا أمره إلى العلي القدير!
وعند السؤال عن الجهة التي تتبعها هذه الشركات – والتي زاد عددها فقارب الأربعين – تم الكشف عن أنها تتبع لمؤسسة النقد العربي السعودي، وأن هناك (وهذا يفترض إعلانه بشكل واضح في كل تلك المكاتب المنتشرة بشكل أفقي كبير) لجنة لتسوية المنازعات والمخالفات التأمينية، وهي كذلك موجودة فقط في المدن الثلاث الكبرى السالفة الذكر، وأنها تابعة للأمانة العامة للجان الفصل في المنازعات والمخالفات التأمينية!
وهنا يظهر تساؤل عن بقية المناطق، وماذا بوسع أهلها أن يفعلوا، ولماذا لا توجد لجنة في كل منطقة من المناطق الثلاث عشرة؟
وبالعودة لهذه الشركات فإن المفترض أن تلزم بإيجاد فروع متكاملة لها في كل منطقة على الأقل، تملك الصلاحيات وتلزم بالتعويض الفوري لكل من استقطبته وتحصلت على الرسوم منه، أما المكاتب التي تسمى في العرف الاقتصادي (مكاتب تسويق) فهي أشبه ما تكون بالمصيدة، وبات المتعامل معها لا يرجو منها شيئا بعد دفع قيمة التأمين.
والمفترض أن توضع الأطر التي تنظم العلاقة بين كل من يؤمن وبين هذه الشركات، وتكون هناك لوائح معلنة كتلك الموجودة على موقع مؤسسة النقد على الانترنت (وأجزم أن نسبة كبيرة من المؤمنين - إن لم يكن جميعهم -لا يعرفون عنها شيئا)؛ ليأخذ كل حقه كاملا ويستوفي ما له ويدفع ما عليه دون اللجوء للجان أو الشكوى لأمانتها،
ففي عصرنا يفترض التوعية بالحقوق والإعلان عنها بشفافية تامة، موافقة لرؤية المملكة 2030. وهذا – في تصوري - دور مفقود سواء من مؤسسة النقد كمظلة لهذه الشركات أو من الأمانة العامة للجان، والتي اكتفت هي الأخرى بثلاث لجان زيادة في التنكيل وإمعانا في زيادة درجة المعاناة.
فهل نطمع في تدخل سريع يتم معه إلزام شركات التأمين بافتتاح فروع متكاملة لها في كافة المناطق؟ وإلزامها بالتعويض الفوري دون مماطلة؟
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2017/11/18