السعودية: تاريخ من الصراع المتجدد بين الأجنحة
علي آل غراش ..
المملكة السعودية تأسست عام 1932 وهي الدولة الوحيدة في العالم في العصر الحالي اسمها باسم العائلة الحاكمة نسبة إلى آل سعود، وأفرادها من أمراء وأميرات يعتبرون أن الدولة وشعبها ملكا خاصا لهم، وكل ما فيها وعليها من خيرات لهم، وكل أمير وأميرة، وعددهم بعشرات الآلاف، له نفوذ وصلاحيات واسعة، ومن خلالها يمكنه فرض وأخذ ما يريد باسم المنح الملكية والنفوذ والصلاحيات والعلاقات. نمت أموالهم مع التشغيل واحتكار الأعمال والعمولات داخل الوطن وخارجه بقوة المال والسلطة، والمفتاح السحري لزيادة السرقات والنهب تتم بكلمة «حسب الأمر الملكي، أو طلب صاحب السمو الأمير» لتجاوز أي قانون ينفذ فقط على المواطن البسيط ولا يستطيع الموظف الاعتراض لأنه سيتعرض للعقاب بمخالفة أولياء الأمر آل سعود.
ومن أجل الحكم والمصالح والنفوذ نشأت تحالفات وخلافات وصراعات بين الأجنحة وتصفيات بدأت منذ تأسيس السعودية ومازالت لغاية اليوم. وقد قام الملك عبدالعزيز بتصفية قيادة جيشه – الذين ساهموا في تركيز حكمه – وذلك في معركة السبلة، ويوجد صراع أجنحة بين أفراد العائلة وصلت إلى درجة الانقلاب، كما حدث مع الملك سعود على أيدي إخوته، وإلى القتل كما حدث مع الملك فيصل على يد ابن أخيه فيصل بن مساعد. فالصراع والخلاف بين أفراد آل سعود متجذر ومتجدد منذ الدولة السعودية الأولى والثانية، وكذلك الحالية، وقد اتسع في الوقت الراهن بسبب وفرة المال والنفوذ بسيطرة جناح على حساب الأجنحة الآخرى، ووجود طبقية بين أفراد العائلة: ملكي وسديري وغيرهما من الألقاب.
صراع الأجنحة بين أفراد العائلة الحاكمة آل سعود ومع الحلفاء في ما يسمى السعودية الثالثة ليس جديدا، فمنذ سيطرت العائلة على المنطقة وهناك صراع، البداية كانت بين الملك عبدالعزيز وأصحاب التوجهات الدينية من الحلفاء الإخوان الذين دعموه، حيث طالب قادة الإخوان ومنهم فيصل الدويش وسلطان بن بجاد بتعيينهما أميرين على مكة والمدينة لدورهما في فتح الحجاز وتحقيق النصر في بقية المعارك، ولكنه رفض بعد وعد سابق لهما، بالإضافة لرفضهما تعاونه مع البريطانيين، وقد ساندت القوات البريطانية عبدالعزيز لإلحاق الهزيمة بجماعة الإخوان في معركة السبلة سنة 1929 .كما يوجد صراع بين عبدالعزيز وإخوته، وصراع مع أبناء عمومته، وقد حاول الملك عبدالعزيز احتواءه عبر الاتفاق على بنود ومصالح ونفوذ وأموال وتوزيع المقاطعات وإدارة الإمارات عليهم كالشرقية والشمالية لعائلة ابن جلوي آل سعود. فالمال والمنصب والنفوذ دائما هو الدواء الناجع لتسكين أي صراع وخلاف. ولكن مع سيطرة جناح من أبناء الملك عبدالعزيز على كل شيء وحرمان الأجنحة الأخرى من المناصب والنفوذ والمال الكبير، كما يحدث حاليا في عهد الملك سلمان والأزمة الاقتصادية.. سيؤدي إلى انفجار الصراع.
الصراع بين أبناء عبدالعزيز ظهر للعلن بعد وفاته عام 1953 واعتلاء الملك سعود العرش، عبر انقلاب بعض أجنحة الأسرة وعزله من الملك سنة 1964. بعد عقد اتفاقات وتفاهمات بين الأجنحة (حيث كل جناح يبحث عن مصالحه وحصته وزيادة نفوذه فقط، لا مصلحة البلاد والوطن والشعب المغيب المغلوب على أمره) فتم توزيع المناصب والنفوذ حسب قوة كل جناح ودوره في دعم الانقلاب لوصول الملك فيصل للحكم، وكان نصيب الأسد للجناح السديري نسبة للأميرة حصة بنت أحمد السديري زوجة الملك عبدالعزيز، وهي أم لأكبر عدد من الأمراء يشكلون أقوى جناح وهم: « فهد، وسلطان، عبدالرحمن، ونايف، وتركي، وسلمان وأحمد». هذا الانقلاب أدى إلى اتساع دائرة صراع الأجنحة بين أبناء الملك، وأدى لتأسيس جناح الأمراء الأحرار الرافض للحكم الاستبدادي الملكي في الخارج، ومن هؤلاء الأمراء الأمير طلال بن عبدالعزيز.
ونتيجة للخلاف والصراع داخل العائلة الحاكمة آل سعود قتل الملك فيصل برصاصة على يد الأمير فيصل بن مساعد ابن شقيق الملك سنة 1975 إذ تحول الخلاف والصراع إلى دموي، ويمكن أن يقع ذلك في أي لحظة، حيث توجد تسريبات بأن الهجوم على قصر السلام في جدة في7 أكتوبر 2017 بوجود الأمير محمد بن سلمان فيه – يقف خلفه أمراء ويأتي ضمن صراع الأجنحة. الجناح السديري هو الأقوى والمشرف على إدارة البلاد منذ عهد الملك خالد (1975- 1982) وازدادت قوته مع وصول الملك فهد للعرش الملكي عام 1982، وخلال أكثر من ثلاثة عقود امتدت من عام 1982 إلى عام 2005، كان الملك ووزير الدفاع والداخلية ونائب الدفاع والداخلية وأمير منطقة الرياض، الذي هو أمين سر العائلة وهو الأمير سلمان (الملك الحالي) منهم أي سديري، وتم تنصيب أمراء من الجناح السديري أمراء على مناطق مصنفة أنها لأجنحة محددة منذ أيام الملك عبدالعزيز كالمنطقة الشرقية المخصصة لجناح ابن جلوي، حيث تم عزل ابن جلوي من المنطقة وتعيين الأمير محمد بن فهد وقد حدث مثل ذلك في مناطق أخرى.
وخلال هذه الفترة تمكن هذا الجناح من السيطرة على مفاصل الدولة والتعامل بغرور مع الأجنحة الأخرى، ورغم مرض الملك فهد إلى حد العجز الكامل – بسبب جلطة دماغية – فقد رفض الجناح السديري فكرة عزل الملك بسبب الوضع الصحي، وتمسك ببقائه إلى وفاته، لتحقيق المزيد من الاستغلال، رغم رفض بقية أفراد العائلة ما ساهم في اتساع فجوة الصراع.
في عهد الملك عبدالله اشتد غضب أمراء الجناح السديري، بسبب محاولة الملك إضعافه بما يستطيع وتقوية الأجنحة الأخرى، ولكنه لم يستطع لأسباب عديدة منها ضعف شخصيته وخوفه من السديريين، ولكنه قام بإبعاد الأمراء الصغار السديريين من المناصب العليا وتعيين المحسوبين على جناحه، كما عين أخاه الأصغر الأمير مقرن (الضعيف) وليا لولي العهد الأمير سلمان في ظل وجود عدد ممن هم أكبر منه، وهي سابقة في تاريخ آل سعود، وقد فشل الملك عبدالله بعزل الأمير من ولاية العهد، رغم التوتر وتأزم صراع الأجنحة.
بعد وفاة الملك عبدالله، فعل الملك سلمان خلال الساعات الأولى من استلامه عرش الحكم ما لم يستطع الملك عبدالله فعله طوال سنوات حكمه، فقد انتقم من عهد الملك الراحل، فقام بإلغاء كافة المؤسسات والهيئات التي أنشأها الملك عبدالله، وتبديل الشخصيات المتنفذة والوزراء والمسؤولين، ومنهم أبناء الملك الراحل ومن يحسبون على جناحه من أمراء، والاستعراض بالحزم والقوة وشن حرب على اليمن وغيره كرد على سياسة الملك عبدالله الضعيفة مع دول الجوار، حسب سياسة الملك سلمان؛ وكل ما حدث عملية انتقامية تعبر عن الغضب السليماني ومدى تفاقم صراع الأجنحة، وقد تطورت الأمور إلى درجة عالية عبر إعفاء الأمير مقرن، ثم عزل محمد بن نايف من ولاية العهد، وتنصيب محمد بن سلمان وليا للعهد بصلاحيات واسعة جدا.
ومؤخرا تم اعتقال بعض الأمراء المتنفذين بتهمة الفساد منهم الأمير متعب بن عبدالله وإعفاؤه من منصب وزير الحرس الوطني واعتقال أخيه الأمير تركي بن عبدالله، وكذلك خالد التويجري رئيس ديوان الملك الراحل عبدالله.. وهي ضربة قاضية لجناح الملك عبدالله، بالإضافة إلى اعتقال أمراء من أجنحة أخرى مثل الأمير الوليد بن طلال، والأمير عبدالعزيز بن فهد وغيرهم.. لتمهيد الحكم لولي العهد الأمير محمد بن سلمان. لعبة الصراع بين الأجنحة إلى حد الانتقام والتصفية أصبحت على المكشوف وأصبح الشعب والعالم قادرين على متابعة أحداثها، بعد عقود من المجاملات لإخفاء الصراع. المستقبل مليء بالمفاجآت على صعيد صراع الأجنحة الملتهب والمتجدد.
ماذا سيحدث خلال الفترة المقبلة؟ هل سيعتلي الأمير محمد بن سلمان عرش الحكم كأول حفيد للملك عبدالعزيز بسلاسة وتوافق، أم سيشعل صراع الأجنحة؟
جريدة القدس العربي
أضيف بتاريخ :2017/11/21