مقتل علي عبد الله صالح سقوط لخيار هزيمة القلعة اليمنية من داخلها
محمد النوباني
لا أريد أن اشكك في روايات بعض الذين عرفوا الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الذي قتله الحوثيون صباح أمس الاثنين من أن الرجل كان يتمتع ، رغم أن تحصيله العلمي لم يتعد مرحلة الدراسة الابتدائية ، بحنكة وذكاء ودهاء سياسي كبير، الأمر الذي مكنه من حكم بلد مثل اليمن لمدة 33 عاما ، ومن ثم الاستمرار بلعب دور سياسي بارز من خلال رئاسته لحزب المؤتمر الشعبي ، بعد تنازله عن السلطة لعبد ربه منصور هادي ، الذي التحق بدوره بالتحالف السعودي منذ بدأ العدوان على اليمن .
ولكن الشيء المؤكد أن انقلابه على حلفائه الحوثيين – حركة أنصار الله – يوم السبت الماضي في التصريحات المتلفزة التي أدلى بها يوم السبت الماضي ، وإعلانه الصريح عن الالتحاق بقوى العدوان السعودي ، لم تكن تنم عن اي حنكة وذكاء وحصافة سياسية ولا عن تقدير سليم لموازين القوى الاجتماعية والسياسية التي تبلورت في اليمن خلال تصدي الشعب اليمني للعدوان السعودي الذي فتك بمئات آلاف اليمنيين وأدى إلى انتشار الأوبئة والأمراض وفي مقدمتها وباء الكوليرا ، وحدوث مجاعة تهدد أيضا بوفاة الملايين، لم يكن ينم عن أي ذكاء أو حصافة أن لم نقل لامس الخيانة العظمى .
فالرجل الميت الآن علي عبد الله صالح، ولا يجوز على الميت إلا الرحمة ، اختار في اللحظات الأخيرة من حياته أن يغلب مصالحه الطبقية الضيقة ، وربما رشى مالية قدمت له من عواصم العدوان على مصالح الشعب اليمني العليا معتقدا بان انتمائه القبلي وولاء بعض المحسوبين عليه في الجيش والقوات المسلحة له سوف يمكناه من القضاء على معسكر المقاومة في اليمن ، من حلفاء الأمس ، والعودة إلى حكم اليمن على ظهر الدبابات السعودية والإماراتية .
وهذه الأوهام “البونيبارتية” التي دفعت حنكته وذكائه إلى الخلف أعمت بصره وبصيرته ولم تجعله يدرك بأن سنوات العدوان على اليمن قد رفعت من منسوب الحقد على السعودية ، المكروهة أصلا من الشعب اليمني بسبب عوامل جيو- سياسية وتاريخية معروفة، إلى ذرى لم تبلغها من قبل ، حتى في أوساط قبيلة حاشد التي ينتمي إليها ، ويربوا عدد أنفسها عن 13 مليون شخص ، الأمر الذي لم يعد معه مقبولا العودة لنغمة التحالف معها والانقلاب على حلفاء الأمس مفرطا بدماء اليمنيين التي سالت انهارا على يد السعودية .
فالذي حصل في اليمن أدى إلى تعزيز ذهنية الانتماء للوطن في أوساط الشعب اليمني على حساب ذهنية الانتماء القبلي والجهوي ، مما أضعف إلى حد كبير من دور الزعامات التي كانت تستمد قوتها من وعي مغلوط عنوانه ، انصر أخاك ظالما أو مظلوما، إلى وعي جديد عنوانه كل الجهود وكل الطاقات في مواجهة فوى العدوان وحلفائهم في الداخل اليمني .
بكلمات أكثر وضوحا فقد ولد من رحم المعاناة والفاقة والموت الرهيب مجتمع يمني جديد منقوش على راياته شعار عنوانه فلتذهب كل الولائات القبلية إلى الجحيم لأنه عندما يكون الوطن في خطر فلا ولاء، إلا للوطن .
أن ما حدث في اليمن هو شبيه تماما لما حدث في لبنان في الأسابيع القليلة الماضية ، حيث فشل الرهان السعودي ، على تحويل قضية احتجاز سعد الحريري في الرياض ، وإجباره على الاستقالة ، إلى فتنة داخلية لبنانية ، لأن من سعوا إلى تفجير تلك الفتنة لم يدركوا بان قوى المقاومة اللبنانية التي حمت لبنان من خطر العصابات التكفيرية وأبعدتها عن الأراضي اللبنانية قد كسبت القاعدة الاجتماعية والجماهيرية التي كان يعول عليها المتآمرون على الشعب اللبناني لصالحها، مما اضعف من نفوذ القوى الفتنوية وافشل مخططها ، وانقلب إلى خسارة سعودية محققة .
إن النهاية التراجيدية المؤسفة للرئيس علي عبد الله صالح على يد أنصار الله لم تكن لتحدث لولا أن الرجل حاول فتح أبواب صنعاء للمعتدين لكي يدخلوها بسلام آمنين ويعيثوا فيها قتلا وتخريبا كما فعلت الزانية رحاب التي مكنت اليهود من دخول أريحا الكنعانية بعد أن ضاجعت أحد جنودهم عن طريق فتحة سرية في صور المدينة المنيع مما أسفر عن إبادة كل ذكورها وبقر بطون النساء الحوامل وسبي نسائها .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/12/06