بحثُ خطاب نصر الله إسرائيلياً
بسام أبو شريف
تدور في الأوساط الإسرائيلية نقاشات حول خطاب السيد حسن نصرالله الذي حدد فيه موقفاً واضحاً من القدس وفلسطين التاريخية. ويشوب هذه النقاشات كثير من النواقص والمربّعات البيضاء التي تحتاج إلى ما يملؤها!
فقد اعتاد الإسرائيليون (بخاصة المسؤولين منهم) على أخذ كل كلمة يقولها السيد نصر الله بجدية تامة. ودرجوا على أخذ احتياطاتهم مما يلمّح له حول ردود فعل حزب الله على أي اعتداء إسرائيلي.
وأثار خطابه حول القدس وفلسطين ردود فعل تراوحت بين «الفزع»، وبين التعامل مع خطابه كنوع من أنواع التعبير عن عواطف لا مردود عملياً لها.
فمن أخذ منهم كلام نصر الله بشكل جدي واستناداً لمصداقية قائد المقاومة أدهشته ثقة السيد الكاملة بحتمية تحرير القدس وإلحاق الهزيمة بإسرائيل. وهذا ما يثير فزع الإسرائيليين الذين أخذوا كلامه كتعبير عاطفي، يعيشون بينهم وبين أنفسهم حالة من القلق الشديد، مصدره السؤال الذي يطرحونه على أنفسهم من دون أن يصرّحوا به: ماذا لو كان كلامه جدياً وليس تعبيراً عاطفياً؟!
لكن كبار الاستراتيجيين من خطباء «هرتسليا» لا يتوقفون فقط أمام ما قاله ووعد به حول القدس وفلسطين، بل امتدت اهتماماتهم وتبحّرهم الاستراتيجي نحو:
1ــ تأثير هذا الخطاب في لبنان. فقد أنهى السيد نصر الله بخطابه عن القدس وفلسطين (وهي بحسب سعد الحريري قضية ليست لبنانية لذلك يجب أن ينأى لبنان بنفسه عنها) كل خطط الولايات المتحدة والسعودية لشلّ حركة حزب الله من بوابة الحريري وشروطه للعودة عن الاستقالة.
فالرجل الذكي (القائد نصرالله) هتف بأعلى صوت أن المقاومة ستقاتل دفاعاً عن القدس وعن فلسطين، وستساند فصائل المقاومة الفلسطينية.
وسكت سعد الحريري عن الكلام المباح وغير المباح. فقد وقع في الكمين: إذا اعترض رئيس وزراء لبنان على موقف حزب الله يكون قد اصطفّ مع إسرائيل ومع تهويد القدس وضد النضال التحرري الفلسطيني. فقضية فلسطين والقدس ليست قضية بعيدة الصلة عن لبنان والأمة العربية، بل هي قضيتهم الأولى حسب التاريخ النضالي العربي وحسب قرارات جامعة الدول العربية وحتى حسب مبادرات العائلة السعودية!
تحطّم على صخرة الموقف الشريف من القدس وفلسطين مخطط شل حزب الله ومنعه من النشاط إقليمياً.
ويرى الإستراتيجيون الإسرائيليون أن هذه الضربة لخططهم المشتركة مع العائلة السعودية في لبنان، هي أشبه بالقاضية، ولم يبقَ بجعبتهم سوى تفعيل أجهزتهم ــــ أي الموساد والمخابرات السعودية والأميركية والخليجية في لبنان لشن حرب تفجيرات واغتيالات. ولا شك لدى أحد بأن هدفهم الأول هو القائد حسن نصر الله ومساعدوه.
المحللون الإستراتيجيون الإسرائيليون ينظرون بقلق شديد إلى ما ولّدته انتفاضة الشعب الفلسطيني وتحية السيد حسن نصرالله لها ودعوته لتصعيدها، من ردود فعل على الصعيدين العربي والعالمي. فقد بدأت نيران التعبير عن إدانة إسرائيل والوقوف بحزم مع الشعب الفلسطيني والمقاومة تشتعل في كل مكان.
ورغم أن الشارع العربي ما زال مختلفاً عن الشوارع الأوروبية، إلا أنه بدأ بالتحرك، ويكفي أن ترى جماهير اليمن تتظاهر في كل محافظة تأييداً لفلسطين حتى تعرف ما يعتمل في صدور العرب أجمعين.
ولا بد للقاهرة من أن تتحرك، ولا بدل للنيل من أن يثور لأن ثورته من أجل القدس وفلسطين هي ثورة على تحكّم العائلة السعودية بشعب مصر وحركة هذا الشعب.
لا يمكن المواجهة إلّا بإتقان مفهوم الحرب وامتلاك الدقة والتخطيط
ويتوقع الإستراتيجيون الإسرائيليون تصاعداً متسارعاً في الحراك العربي مما سيؤثر إلى حد ما على وتيرة تطبيع العلاقات الإسرائيلية بأنظمة عربية بدأت تسرّع عملية التطبيع.
ويذهب هؤلاء إلى وضع علامة حمراء عند بعض البلدان، بسب توقعهم أن يفجر موضوع القدس الأوضاع الداخلية فيها. ويصر أحد الاستراتيجيين على وجهة نظره التي تتوقع صراعاً داخلياً دموياً في صفوف العائلة السعودية!
وربط هؤلاء الإستراتيجيون بين تحريك الشارع الإسلامي وبين تكرار السيد نصر الله لاستعداد الملايين للاستشهاد على درب تحرير القدس.
ويجري مسؤولون إسرائيليون مباحثات سرية هذه الأيام مع نظرائهم في وزارة الدفاع الأميركية وخبراء على رأسهم اليوت أبرامز من وزارة الخارجية الأميركية، حول خطورة وتأثير خطاب السيد نصرالله على ما سبق أن قرره من خطة تحرك في العراق وسوريا ولبنان ومصر.
ذلك أن الإدارة الأميركية تشعر بقلق، هي الأخرى، من زاويتين إضافيتين لما سبق أن ذكرناه من أسباب قلق الإسرائيليين.
الزاوية الأولى: دعوة نصر الله لعقد اجتماع لكافة فصائل المقاومة إقليمياً لدراسة وبحث ووضع إستراتيجية العمل للبرنامج التحرري الواضح الذي طرحه.
الزاوية الثانية: متابعة ومراقبة الدعم الإيراني الذي ظهر في الثقة الكاملة التي أبداها نصر الله حول تسليح فصائل المقاومة الفلسطينية ودعمها.
وقد تزايد قلقهم (أميركياً وإسرائيلياً) بعد الإعلان عن اتصالات الجنرال قاسم سليماني بقادة من الفصائل الفلسطينية.
بشكل عام، يشعر خبراء الاستراتيجيا الأميركيون والإسرائيليون أن السيد حسن نصرالله حقق مكاسب كبيرة للمقاومة بخطابه هذا. فقد «قلب الطاولة» كما يقال، وبدأ لأول مرة منذ تأسيس حزب الله بإظهار قوته وقدرته على قيادة حركة مقاومة إقليمية موحدة. وأظهر عملياً انخراطه في معركة لتحرير الأرض الفلسطينية والقدس من الاحتلال، بعد أن كان طوال هذه السنين يتحدث ويعمل على الدفاع عن لبنان وتحرير أراضيه.
وضمناً، جاء هذا الإعلان السياسي ليكرس قيادة السيد حسن نصر الله لحركة التحرر العربية، وفي مقدمتها حركة تحرير فلسطين، وهذا ما سبب صداعاً مدمراً لرؤوس المسؤولين الإسرائيليين. فقد بدأت مرحلة الهجوم الدفاعي، والسيد نصرالله بذكائه السياسي الكبير يشن هجوماً دفاعاً عن القدس.
ولا يمكن الدفاع عن القدس ومنع تدمير الأقصى وكنيسة القيامة وتهويد المدينة إلا بمواجهة جيش الاحتلال.
إنها عملية دفاع، لكنها تتطلب الهجوم. ولا يمكن لعملية الدفاع أن تبدأ إلا إذا شنّت قوى المقاومة الهجوم على قوات الاحتلال والمستوطنين المدجّجين بالسلاح وطردهم من أرض العرب في فلسطين.
الحشد ـــ الكفاءة ـــ الدقة
ثلاث كلمات هي رموز فتح خزائن النصر. وهذه مهمات إستراتيجية لا تكتيكية على قيادة الفصائل أن ترسم برامجها.
لقد حان موعد نفض الترهل والانتظار. لا يمكن مواجهة عدونا إلا بإتقان مفهوم الحرب والقتال وامتلاك الدقة والتخطيط السليم والضبط والربط الإداري والميداني.
«وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون».
«إن الله يحب أحدكم أن قام بعمل أن يتقنه».
هذا يلقي على عاتق التنظيمات الفلسطينية مسؤوليات كبيرة وحساسة وخطيرة.
وعليها أن تجدد دماء قياداتها الأولى والوسطية والقاعدية لتتمكن من موازنة حساب الحق بحساب البيدر.
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2017/12/15