ما زال العرب يتمسكون بالتفاوض ولم يدركوا أن إسرائيل تركت اللعبة..
فؤاد البطاينة
لا أدري إن كانت القيادة الفلسطينية ومعها الدول العربية ذات المصلحة المباشرة بتسوية القضية كالأردن، تدري أو تتجاهل بأن إسرائيل اليوم تريد أن تدفن شيئا اسمه عملية السلام أو التفاوض وقد دفنته . وهي أي إسرائيل التي كانت تلهث للتفاوض قبل حرب ال 67، وأنه بعد تلك الحرب أصبحت عملية السلام مطلبا للدول العربية قبلت به إسرائيل على مضد تحت ضغوطات دولية وعربية كان متاحة آنذاك، وأن قبولها ذاك لم يكن استراتيجيا بل لكسب الوقت والتمهيد لفرض رؤيتها في طوي ملف القضية الفلسطينية . ولو كان الوضع العربي القائم اليوم، قائما حين عقدت معاهدات السلام لما أقدمت عليها إسرائيل ولما كانت بحاجة لاستخدامها مع مصر وفلسطين والأردن
فإسرائيل اليوم قطعت مرحلة كبيرة جدا في فرض واقع سياسي وديموغرافي في فلسطين يجعل الطموحات العربية والفلسطينية والدولية في تسوية مكونات القضية الفلسطينية وفي قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة في فلسطين أمرا صعبا ومعقدا، واستطاعت أن توصل الدول العربية والسلطة الفلسطينية الرسمية إلى حالة لا تمثل فيها قوة عسكرية أو سياسية أو اعتبارية تؤهلهم لفعل شيء إيجابي لقضيتهم أو سلبي على إسرائيل .
إن مرحلة التفاوض بالنسبة لإسرائيل أنهت غايتها الإيجابية، وأصبح استمرارها يمثل عائقا أمام المرحلة التي دخلت بها وهي مرحلة فرض رؤيتها على الأرض دون احراجات أو معيقات عربية أو دولية، ودون ضوابط من القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية . والكثيرون لا يعرفون هنا بأن قرار العودة والتعويض رقم 194 هو قرار أمريكي أوروبي صاغوه وتبنوه، وصوت العرب في حينه ضده، وعندما استطاعت إسرائيل مع مرور الزمن خلق واقعا جديدا على الأرض الفلسطينية عادت الدول نفسها عن قرارها لتقول بأن لا إمكانية عملية لعودة اللاجئين، وأصبح العرب هم من يطالبون بتنفيذ القرار.
لقد استطاعت إسرائيل بحلفها الصهيو أمريكي، وبالتوازي، أن تخلق في كل دولة عربية مشكلة حيوية خاصة بها تكفي لشلها ولعزلها عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وملف القضية، وجاء ترمب ليتكفل بتخفيف الضغط السياسي الأوروبي على إسرائيل حين قضى على أسس تحالف أمريكا مع المجموعة الأوروبية واتبعها بتخلي أمريكا عن التزاماتها القانونية والسياسية والأدبية ومن سياستها التقليدية من القضية الفلسطينية ……..وروسيا اليوم كقطب ليست على وتيرة الاتحاد السوفييتي في دعم العرب وقضيتهم بحكم غياب الحرب الباردة على الأقل .
إن عداء ورفض إسرائيل لعملية السلام والتفاوض وإدارة الظهر لشركائها العرب، حالة قائمة . وتعبر عنها إسرائيل بوسائل تجاوزت تعظيم الهجمة الاستيطانية والعقبات الأخرى ووقف التزامها عمليا بمعاهدات السلام، إلى افتعال الخلافات والإساءات لشركائها التقليديين من القادة العرب بل ومحاصرتهم، واستبدالهم بشركاء عرب آخرين لا تعنيهم فلسطين بقدر ما تعنيهم صداقة إسرائيل ورضاها كمفتاح للحماية الأمريكية . وأمريكا هذه في وضع تستطيع معه تامين مصالحها وأطماعها في الدول العربية عن طريق فرضها فرضا بالمجان كدولة هي بحكم المستعمِرة، فيما لو تلكأت أو اعترضت دولة ما .
العرب المعنيون والسلطة الفلسطينية ما زالوا مع كل ذلك متمسكين بالتفاوض مع إسرائيل للحصول على الحقوق الفلسطينية كما يرونها ويتجاهلون فساد أسسه وغياب متطلباته، ويتجاهلون اعتمادهم لها عقودا والنتائج التي أوصلتهم وأوصلتنا إليها وأخرها قرار ترمب . بل وإمعانا بحالة إنكار الواقع السياسي القائم وعدم تفكيرهم بما يفكر به العدو، فإنهم يهددون ويشترطون عدم قبول أو مشاركة أمريكا في العملية السلمية . فهل هم جهله أم متجاهلين لواقع أن أمريكا ما كان لها أن تقوم بفعلتها في القدس نزولا عند رغبة إسرائيل لولا أن الدولتان المحتلتان قررتا إعلان إنهاء وترك مسرحية عملية السلام والتفاوض للملأ . فمع من سيتفاوض العرب أو السلطة الفلسطينية حين ترفض إسرائيل التفاوض ؟ ولو افترضنا أن إسرائيل ستقبل العودة للتفاوض، كيف لهم أن يختاروا أو يفرضوا عليها جهة راعية هي لا تريدها .
إنهم يذهبون اليوم إلى الأمم المتحدة وهي في أسوأ وضع . يتمثل في إدارة أمريكا ظهرها للأوروبيين من ناحية، والانهزام العربي الكامل من ناحية أخرى . يذهبون لتدويل القضية، وتدويل القضية بالمفهوم المنتج لا يمكن تصوره في حالة إسرائيل، ولا أن يكون . وينسون أن التدويل الممكن قائم منذ عقود بل ومنذ ولادة القضية، وأن زخمه اليوم تراجع بإعلان الطرف الأمريكي انحيازه وعداءه، فإذا كان هناك مفهوم أو تفسير خاص للتدويل بعقول أصحابه فلن يتعدى جهودا دبلوماسية عقيمة تخض في الماء تعبيرا عن العجز.
إن تمسك الدول العربية المعنية والسلطة الفلسطينية بخيار التفاوض أصبح مع قرار إسرائيل بموته، خيارا ساقطا شكلا، فالتفاوض ما عاد مفيدا لإسرائيل بل معيقا، ولا سلطة دولية عليها للعودة إليه، فماذا يعني التمسك به سوى عجزهم وافتقادهم للإرادة السياسية التي تؤهلهم إلى اللجوء لخيار أو خيارات أخرى . بما يعني أنهم غير جادين ومراوغين ويؤثرون أنفسهم ومصالحهم على مصلحة القضية والأمة ويستغفلونها . فما الحل وما الخطوة التالية عند رفض إسرائيل للتعاطي مع لعبة انتهت بالنسبة لها،
لا أريد جوابا من هؤلاء الحكام يعرفونه ولا يستطيعون عليه، ولكني أريد جوابا من كل عربي وفلسطيني متجرد من الهوى وما زال يتعاطف مع نهج هؤلاء الحكام . بشرط أن يقرأ حيثيات السؤال في هذا المقال . وعلى أن يكون معلوما لمن لا يعرف بأن القرار السياسي في الأمم المتحدة هو لمجلس الأمن وليس للجمعية العامة، وأن قرارات مجلس الأمن التي يتخذها أعضاؤه الدائمين لا تؤخذ في نيويورك بل بالعواصم . بمعنى أنه لا يوجد في الواقع منظمة أمم “متحدة ” كما نعتقدها بل هي مكان تجمع للخمسة على طاولة واحدة لإصدار القرار أو إسقاط مشروعه.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/12/19