عام التخصيص في السعودية
عبدالله بن ربيعان
قال وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي عادل فقيه أخيراً إن «الوزارة درست 146 جهة وخدمة، وجرى تحديد الأولويات للتخصيص لـ 26 منها، سيجري تناولها في شكل تفصيلي هذا العام». وكان الوزير أشار إلى «التوسع في برنامج التخصيص ليشمل المطارات والخدمات البلدية والمستشفيات والتعليم».
وأعلنت هيئة الطيران المدني بدء تخصيص المطارات السعودية، وقال رئيسها سليمان الحمدان هذا الأسبوع: «سيُبدَأ بتخصيص مطار الملك خالد في الرياض في الربع الأول من هذا العام، وتخصيص مطاري جدة والدمام خلال 2017، إضافة إلى تخصيص قطاع الملاحة الجوية في الربع الثاني من هذا العام، وتخصيص قطاع تقنية المعلومات في الربع الثالث، وتخصيص كل المطارات الإقليمية والداخلية على شكل مجموعات بين 2018 و2020».
ليست هذه الإعلانات إلا بوادر أولية إلى تحويل عدد من الأجهزة والمشاريع الحكومية في السعودية للتخصيص، وما جرى إعلانه خلال الأيام الخمسة الأولى يوحي بأن 2016 سيكون عام التخصيص في المملكة بلا منازع.
ولو سألت طالب اقتصاد جامعياً عن مزايا التخصيص، لرد عليك بإسهاب قد يجاوز ما دونته كتب السير عن بطولات عنترة العبسي، لكن هل فعلاً صحيح ما يقال عن هذه المزايا والإيجابيات؟ وهل يؤيد الواقع تحقق هذه المزايا؟ ثمة بعض الملاحظات:
أولاً: في غياب الرقابة والمحاسبة يؤدي التخصيص إلى خسارة المواطنين المكتتبين في هذه المشاريع مباشرة، ما ينفى ميزة أن القصد من التخصيص هو مشاركة قاعدة عريضة من الجمهور في ملكية المشاريع بعد تخصيصها، ويعيد توزيع الثروات لصالح الطبقات ذات المداخيل المتوسطة والمنخفضة. وثمة أمثلة في ما حصل في شركات مساهمة في سوق الأسهم السعودية من تلاعب وفساد وغياب للرقابة والمحاسبة، ما أدى إلى خسارة كثر من المواطنين أموالاً في مقابل مكاسب حفنة صغيرة من كبار مالكي هذه الشركات ومديريها.
ثانياً: من مبررات التخصيص أن القطاع الخاص أكثر كفاءة في التشغيل وأكثر إنتاجية من القطاع الحكومي، وهو أمر لا يمكن قبوله في شكل مطلق، فلو وُجِدت الإدارة الجيدة في القطاع العام لزادت إنتاجيته وتحسن أداؤه، ونذكر هنا أن بلدية دبي، وهي قطاع عام، تفوز سنوياً بجوائز الأداء المميز متفوقة على كثير من منافسيها من القطاع الخاص، كما أن بعض القطاعات الخاصة في السعودية لا يمكن وصفها بالكفاءة ولا بارتفاع الإنتاجية.
ثالثاً: من عيوب التخصيص تحول كبار البيروقراطيين من إدارة الحكومة إلى إدارة القطاع الخاص أو تعيين إدارته من أوساطهم، لكونهم سيكونون من كبار المالكين للمنشآت بعد تخصيصها نتيجة ما تراكم في أيديهم من ثروات من عملهم في القطاع العام، ما ينقل البيروقراطية والفساد من قطاع إلى آخر من دون تحسن في الإدارة والإنتاجية.
رابعاً: إذا كان التخصيص يدعم موازنة الحكومة من عائدات بيع المشاريع ويزيح عنها هم الإنفاق عليها بعد تخصيصها، فإن هذا القول لا يمكن قبوله على عواهنه، فبعض المشاريع قُيِّم بأقل من قيمه الحقيقية في بعض البلدان النامية، ما أفقد الحكومة مصدراً مهماً للدخل. ولو أخفق بعض هذه المشاريع بعد تخصيصها لاضطرت الحكومة إلى التدخل ودعمها من موازنتها الخاصة لأسباب اجتماعية أو أمنية أو لكونها أصبحت «أكبر من أن تُترَك لتنهار»، والشواهد كثيرة، ولعل بعض المدن الاقتصادية عندنا من أفضل أمثلتها إذ اضطرت الحكومة إلى التدخل والدعم وتسليم الإدارة إلى «أرامكو السعودية» لتديرها بعد فشل القطاع الخاص في القيام بدوره المطلوب منه.
خامساً: إن التخصيص بطبيعته يرفع أسعار السوق، ما يتطلب إدارة ديناميكية من الحكومة للتدخل والتعويض بما يضمن عدم تضرر أصحاب المداخيل المتوسطة والصغيرة من التخصيص، كما يحتاج التحول بيئة تشريعية ورقابية وقضائية مناسبة.
ختاماً، التخصيص جيد نظرياً، واشتهر في الثمانينات عندما باعت حكومة رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر عدداً كبيراً من المنشآت العامة في بريطانيا إلى القطاع الخاص. إلا أن الأزمة المالية التي تسبب بها القطاع الخاص في أواسط 2008 رفعت أصابع الاتهام والتشكيك في مقدرة القطاع الخاص على إدارة الاقتصاد، وأعادت الجدل حول صلاحية التخصيص، ونقلت الاهتمام مجدداً إلى مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهو مبدأ توافقي يضمن أن لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم، وربما يكون هو الأنسب للتطبيق في السعودية حالياً، فهو يضمن إمكانية التراجع في حال عدم نجاح التطبيق.
كاتب متخصص بالشؤون الاقتصادية
صحيفة الحياة
أضيف بتاريخ :2016/01/13