الجامعات في غياهب البيروقراطية!
أحمد الهلالي
الجامعة أكبر منشأة حكومية في كل مدينة ومحافظة، وهي حاضنة أكبر شريحة اجتماعية بين أسوارها، وفيها تجتمع شريحتان مهمتان جدا، شريحة (أعضاء هيئة التدريس) بما يملكون من خبرات علمية وفكرية، والشباب (الطلاب والطالبات) بما يملكون من طاقات وتطلعات للمستقبل، لكن المؤسف أن هاتين الشريحتين مهملتان، ينصرف الاهتمام إليهما عبر قناة (إلقاء الأوامر) ولا أريكم إلا ما أرى.
داخل الجامعات صراعات ومظلوميات يشيب لها رأس الرضيع، وربما لا يظن أحد أن بيئات بعض الجامعات تفرخ ذواتا محبطة، وتحطم في نفوس الكثيرين مصابيح أمل، كانت تشتعل جادة لأخذ فرصتها في بناء جامعتها ومجتمعها ووطنها.
تستغرب جدا أن يتوجه صاحب القرار في نشر الممارسة الانتخابية إلى بعض القطاعات الثقافية أو البلدية أو الرياضية أو التجارية، ويغفل عن إقرار الممارسة الانتخابية في البيئات الأكاديمية، فتظل الجامعات بمعزل عن هذه الثقافة، ترزح تحت غياهب البيروقراطية، والرأي الأوحد، يمارس فيها المسؤولون رؤاهم في دوائر قرار مغلقة، يقربون منها من يوافق ميولهم، ويقصون عنها من يتوجسون من اقترابه، ويعدونه مزعجا، وتظل قيادة الأقسام والكليات والمجالس على اختلافها مرهونة برؤية المسؤول (المعين) أساسا، وفريقه الذين (يعينهم) بدوره.
لا أعمم على كل مسؤولي الجامعات النظرة المشوبة بـ (النقص والرجعية) فهناك مسؤولون متوازنون، لكن في ذات الوقت هناك الكثير من الجامعات يمارس مسؤولوها ثقافة إدارية رجعية لا تقبلها المرحلة مطلقا، فمن الممارسات الضارة أن يعين المسؤول المصفقين وأصحاب الألسن المقطوعة، الذين يجيدون (هز رؤوسهم) بالموافقة، ولا يناقشون المسؤول في كل قرار يتخذه، ومنهم من يبحث عن أصحاب العلاقات الواسعة الذين يستطيعون تلميع المسؤول وتبرير كل قراراته وتقديمه إعلاميا كما يرجو، ومنهم من يعين المتزلفين إليه قربى بثناءات يتعوذ منها (إبليس ذاته)، ومنهم من يستقطب أصدقاء الاستراحة أو المقهى، أو زملاء القسم الواحد، ومنهم من يصبغ إدارته بلون فكري واحد لا يقبل المختلف، وقس على ذلك من الممارسات التي لا تليق بمؤسساتنا الأكاديمية، ولا طموحاتنا في قيادتها المجتمع إلى آفاق رؤية 2030 وما بعدها.
نحن في أمس الحاجة اليوم أن تتوجه الجامعات السعودية إلى ثقافة الانتخاب، وأن يتعود المبدعون على تقديم ذواتهم مرشحين لمناصب قيادية داخل جامعاتهم، يكدون أذهانهم في تقديم برامج انتخابية حقيقية، تقنع زملاءهم الناخبين، وتطور أداء المنشأة الأكاديمية،
فمنصب (رئيس القسم، ومشرف الإدارة، وعميد الكلية، وعميد العمادة، ووكيل الجامعة، ومجلس الجامعة، والمجلس العلمي) كلها مناصب يجب أن يشغلها من يملكون رؤية طموحة ومقنعة لتطوير أدائها، ثم بعد ذلك لا بأس أن يصبح منصب مدير الجامعة خاضعا لصندوق الانتخاب بين من يجدون في أنفسهم القدرة والكفاءة على قيادة منشأة عملاقة كالجامعة.
ذاك على مستوى أعضاء هيئة التدريس، أما على مستوى الطلاب، قادة المستقبل، فنحن في أمس الحاجة إلى إشاعة ثقافة الانتخاب بين الطلاب الجامعيين، من خلال إنشاء المجالس والجماعات الطلابية المتنوعة، وتعويد الشباب على ثقافة الانتخاب، ورفع إحساسهم بقيمة أصواتهم، والمطالبة بحقوقهم عبر قنوات نظامية نقية، لا عبر وسوم (تويتر) أو استجداء (الوساطات)، وإقناعهم بتقديم المصلحة العامة بانتخاب الأجدر والأكفأ، بعيدا عن كل الاعتبارات التي عانت منها المؤسسات التي سبقت الجامعات في ممارسة الفعل الانتخابي، وما تزال.
المرحلة تتطلب ـ جديا ـ أن يبدأ التحول من داخل البيئة الأكاديمية، وأن يكون لجامعاتنا حضورها الحقيقي في البناء والتنوير والتطوير، فكل من يعملون في الجهات الأخرى كانوا (قبل ذلك) في الجامعة، وبذلك تكون الجامعة هي أنسب مكان لممارسة الفعل الديموقراطي، ولا يمكن تطبيق ذلك على الطلاب دون أن يعيشه الأستاذ الجامعي واقعا يحلق خلاله، ويعززه في طلابه، فيعيشه الطالب، ويمتلك أدواته، ثم ينقله إلى المؤسسة التي يلتحق بها مستقبلا، والله الهادي إلى سواء السبيل.
صحيفة المدينة
أضيف بتاريخ :2018/02/06