ما الفرق بين العاقل والأحمق؟
فاضل العماني
في كتابه الشهير «دع القلق وابدأ الحياة»، أورد ديل كارنيجي المؤلف ومطور الدروس التحفيزية في تحسين الذات الأميركي هذه القصة الملهمة: «اشترى أحد الأشخاص مزرعة لم يكن قد رآها من قبل، ودفع كل ما يملك من مال جمعه طيلة حياته ثمناً لها، وحينما زارها للمرة الأولى، صعق وكاد أن يجن، حيث كانت أرضاً قاحلة وتربتها مجدبة، ولا تصلح للزراعة أو الرعي، وكل ما ينمو فيها عبارة عن أشواك وأعشاب فطرية تقتات عليها الأفاعي السامة التي تنتشر بكثافة وبشكل مروع في كل أنحاء هذه المزرعة اللعينة.. كاد الحزن أن يقتله، وتبخرت كل أحلامه وآماله التي كان يُمني نفسه بها بالحصول على الثروة من محصول هذه المزرعة. وبينما هو غارق في حزنه وبؤسه ويلوم نفسه ويندب حظه، خطرت فكرة، قد تكون حلاً منقذاً لتحويل هذه «الكارثة المريعة» التي وقع فيها إلى «فرصة رائعة»، قد تعوضه عن هذه الخسارة الكبيرة. بدأ بتعهد تربية الأفاعي السامة المنتشرة في كل مكان في مزرعته، ولم يمض وقت طويل، حتى أصبحت أول مزرعة في العالم لتربية الأفاعي السامة، تتقاطر عليها الأفواج السياحية من كل أنحاء أميركا وخارجها لمشاهدة الأفاعي السامة في هذه المزرعة التي أصبحت تُمثّل تجربة لا مثيل عند السياح من كل العالم. ولم يكتف بذلك، رغم الأموال الطائلة التي كان يحصل عليها من زيارة «سواح الأفاعي السامة»، ولكنه قام باستثمار كل ما يمكن الحصول عليه من تلك الأفاعي السامة، فقد أنشأ معملاً لاستخلاص سمومها لصنع الأمصال المضادة، كما استفاد من بيع جلودها بأسعار خيالية لتُصنع منها الأحذية الفخمة والحقائب النسائية، بل إنه جنى ثروة كبيرة من بيع لحوم هذه الأفاعي السامة بعد حفظها في علب وتصديرها إلى عشاق هذا النوع من اللحوم في كل أنحاء العالم». لقد استطاع هذا الرجل الذي وضع كل ما يملك من مال جمعه خلال سنوات عمله الطويل في «مشروع فاشل»، أن يحول «خسارته الباهضة» التي كادت أن تحطم حياته، إلى «نجاح باهر» جعله من الأثرياء والمشاهير. وما يحدث لنا جميعاً من خيبات وانكسارات وأزمات في هذه الحياة، شيء مؤلم، لا شك في ذلك، ولكن الحياة هكذا، لا تستمر على وتيرة واحدة، فقد تُجرّعنا السم، وقد تُسيقنا العسل. تلك هي الحياة التي نعرفها جيداً، ولن تتغير، ونحن فقط من علينا أن نتغير ونتكيف ونتطور، ونسعى بكل ما نستطيع لأن نستثمر كل النجاحات والانتصارات والإيجابيات التي نحصل عليها في حياتنا، تماماً كما علينا أن نتعاطى مع كل ما نواجهه من خسارات وخيبات وسلبيات بشيء من الرضا والصبر والذكاء لنحول تلك «الأزمات القاسية» التي نسقط فيها، إلى «تجارب مفيدة» نتعلم منها الدروس والعبر، ولكن الأكثر فائدة هو أن نصنع منها «فرص مربحة»، وتلك هي الطريقة المثلى - رغم صعوبتها - لاستثمار كل ما تمنحه الحياة، سواء كان سلبياً أو إيجابياً. يقول وليم بوليثو ريال «1981-1930» الكاتب الجنوب إفريقي الشهير: «ليس أهم شيء في الحياة أن تستثمر مكاسبك، فأي أبله يسعه أن يفعل ذلك، ولكن الشيء المهم حقاً، هو أن تُحيل خسائرك إلى مكاسب، فهذا أمر يتطلب ذكاء وحذقاً، وفيه يكمن الفارق بين رجل عاقل ورجل أحمق».
صحيفة الرياض
أضيف بتاريخ :2018/02/18