مخارج لغير الطوارئ
عبدالعزيز الخضر
صدور مبكر لنتائج التحقيق الخاص بحريق جازان خلال أقل من ثلاثة أسابيع من الحادث المؤلم والذي راح ضحيته عدد كبير من الوفيات والمصابين. سرعة نشر النتائج إنجاز لافت في معايير الأداء الحكومي لقضية ذات حساسية، ولم تترك لفترة أطول لعدة أشهر حتى تطغى عليها أحداث أخرى.
وبغض النظر عن بعض تفاصيل نتائج التحقيق والجهات التي شاركت أو المفترض أن تشارك فيه، فإن ما نشر حول نتائج التحقيق يبدو معقولا في كثير من جوانبه، وحالة متقدمة من تحمل مسؤولية الخطأ لدى وزارة الصحة في جوانب معينة.
لكن ما نشر من نتائج لم يعلق على أهم سؤال انتشر في مواقع التواصل، وعبر لقطات توضح وجود أبواب مغلقة بالسلاسل ويتم تكسيرها بالمطرقة وقيل إنها أبواب طوارئ المستشفى، ويوضح المقطع الموجود باليوتيوب وجود ممرضات ينتظرن فتح الباب.
هذا المقطع احتل جزءا كبيرا من النقاشات حول الحادث، وبعد الحريق تم تدشين حملة عبر هاشتاق للتبليغ عن أي باب طوارئ مغلق. ومع ذلك أشارت نتائج التحقيق إلى «أنه لم تكن أي من أبواب الطوارئ مقفلة أو موضوع عليها أية سلاسل، كما تبين عدم وجود ما يعيق الوصول إليها..» بدون الإشارة إلى هذه المقاطع وحقيقتها، تجاهلها هنا يؤثر على طريقة استقبال النتائج، فهل هذه الصور حقيقية وأين ومتى!؟
هذا الجانب قد يضعف قيمة الاعترافات الجيدة في نتائج التحقيق، حيث أشار إلى وجود أخطاء هندسية في تصميم المبنى، مما أدى إلى تصاعد الدخان ووقوع الوفيات، حيث لم توفر قطاعات لعزل الحرائق فوق السقف المستعار والتي كانت ستحول دون انتقال الدخان من منطقة إلى أخرى، وأشار أيضا إلى عيوب في المواصفات للمواد المستخدمة في سقف المبنى ورداءة المواد المستعملة في تمديدات الأكسجين وعدم ربط نظام الإنذار عن الحريق بنظام التكييف، مما أدى إلى استمرار التكييف في العمل أثناء الحريق وانتشار الدخان.
وقد أوضح وزير الصحة بأنه تبين وجود تهاون في متابعة أمور السلامة من قبل بعض المسؤولين في الشؤون الصحية بجازان، وأنه ستجري محاسبتهم نظاميا على ذلك وسيكون هناك إعفاءات لمسؤولين. وأشار أيضا بأن هناك تقصيرا في أداء بعض العاملين في المستشفى خلال التعامل مع الحادث، وسيتم التعامل معهم وفق الأنظمة، رغم ما بذله البعض من جهود بطولية، وحتى جهاز الدفاع المدني تم الإشارة له، حيث استجاب على الفور كما بين التحقيق إلا «أن تجاوبهم وفاعليتهم لم يكونا بمستوى حجم الحادث حيث تطلب معدات إضافية من مناطق أخرى في جازان مما أثر على سرعة التعامل مع الحادث».
هناك كثير من التفاصيل حول قضية الأمن والسلامة في منشآتنا الحكومية والتجارية والمساكن، لكن مسألة أبواب الطوارئ تبدو مشكلة حقيقية عامة ومزمنة! والخطأ فيها مكلف جدا في زيادة نسبة الضحايا، وقد نكون البلد الوحيد الذي يعشق وضع قضبان الحديد المعيقة للهروب في لحظة الطوارئ. هذا الخلل المشاهد هو جزء من خلل في ثقافة السلامة في الوعي الشعبي العام والإداري، ولهذا تجرؤ بسهولة بعض المنشآت على قفل أبواب الطوارئ بدون أي تأنيب ضمير.
كل المعايير الهندسية المثالية لو كانت موجودة لا فائدة منها إذا تم إقفال أبواب الطوارئ تحت أي ذريعة، أو أغلقت الشبابيك بقضبان الحديد التي لن يستطيع أحد كسرها وإنقاذ من في الداخل إلا بعد تزايد الأضرار البشرية.
من المفارقة أن هذا الحادث المؤسف جاء بعد وقت قريب من استلام وزارة الصحة أحد رجالات أرامكو، والتي من أهم ما تتميز به المعايير الصارمة لشروط الأمن والسلامة والتقيد بها. وهي ثقافة راسخة معروفة لدى كل فرد ينتمي إلى عائلة أرامكو، لكن لأن الفترة الزمنية قصيرة فيصعب تحميل الوزير هذه المسؤولية من الخطأ لأنها نتيجة تراكم تاريخي من الأخطاء الإدارية، نأمل أن تظهر بصمته في تصحيحها.
سنجد هذه الأيام كثيرا من أبواب الطوارئ مفتوحة موقتا، لكن بعد فترة ونسيان الكارثة تعود هذه الإدارات لخيار وضع السلاسل على الأبواب. لماذا تلجأ بعض هذه المنشآت لهذا الخيار؟ لأنه طالما لا توجد عقوبات لمن يأمر بإغلاقها ومحاسبة وجهات رقابية تتابع ذلك، فسيكون الإغلاق هو الخيار الأسهل لديها للسيطرة ومراقبة المنشأة، بحيث لا يكون هناك إلا مخرجا واحدا أمامه حارس المبني.
ثقافة الإغلاق تهيمن وتسيطر على الوعي الإداري لدينا، وعلى مستوى الوعي الشعبي العام، فمقولة «الباب اللي يأتي منه الريح.. سده واستريح» من أكثر المفاهيم السلبية التي تغرس في وعي المجتمع. أصبح هذا المنهج الإداري أحد الحلول المبكرة للوقاية من أي حدث مستقبلي بغض النظر عن كلفته والآثار التي تترتب عليه! فالمسؤول المروري عن إغلاق بعض تقاطعات الأرصفة والشوارع لا يجد صعوبة في اتخاذه لمجرد أنه حدث فيه حادث مروري يوما ما، والمسؤول عن إغلاق وحجب مواقع الانترنت مثلا.. فهو يمارسها بكل سهولة فلن يسأله أحد أو يحاسبه على الإغلاق بتقدير خاطئ، لأنها نتيجة ثقافة «وشوله وجع الرأس».
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/01/17