جيش ابن سلمان: رحلة «التخلص» من الكسل
خليل كوثراني
من فعاليات معرض القوات المسلحة «أفد 2018» الذي انطلق الأحد الماضي (الأناضول)
تنطوي الأوامر الملكية الأخيرة، والتي أحدثت تبدلات واسعة في القيادة العسكرية للمملكة، على طموح يساور ولي العهد، محمد بن سلمان، إلى نفض الغبار عن هذه المؤسسة المترهلة، ونزع سمة الضعف التي التصقت بها، خصوصاً عقب التجربة الفاشلة التي خاضتها في اليمن. طموح يبدو أن دون تحققه عقبات كبيرة ليس أقلها ضعف الحافزية لدى العسكريين السعوديين، والتي يُعدّ تحسينها شرطاً أساسياً لـ«تطوير الأداء»
سمح إقفال ملف «الريتز كارلتون»، وتسوية الخلافات «السلمانية» مع جناح الاقتصاد والمال المتزاوج مع آل سعود، بالانتقال إلى ملف آخر على جدول اهتمامات ولي العهد محمد بن سلمان: القوات المسلحة.
لطالما اشتكى «الأمير الملك» من ضعف جيش بلاده واهترائه، وأبدى تذمره في مقابلاته المعلنة، كما جلسات القصور المغلقة، من البذخ الذي تحظى به القوات المسلحة، بلا فعالية تقدمها تجاري بها ما ينفق عليها، ووضع الجيش على عداد الملفات التي ستطالها رؤيته التحولية.
كان من الطبيعي أن تطال الجناح العسكري تغييرات جذرية، وأن يكون ذلك قبل أن تفتح الملفات الأخرى، إذا ما أخذ بالاعتبار أن السعودية في حالة حرب وتخوض معركتها المباشرة الأولى على جبهة اليمن. لكن حساسية باقي الملفات، وارتهان الأولويات لمشاغل ابن سلمان في بسط سلطانه على الدولة وتثبيت دعائم عرشه في مفاصلها، لا سيما لدى أجنحة العائلة المالكة، أجّلت عملية تطوير الجيش وتقويته، واقتصر الأمر على صفقات التسليح مع واشنطن والغرب عموماً، وهي آخر ما يحتاجه جيش مجهز بأحدث تقنيات وتجهيزات، لا تكفي وحدها لتحقيق أي نصر حاسم. وما أخّر ذلك أيضاً، اطمئنان ابن سلمان إلى ثبات سلطته في القطاع العسكري، حيث يتولى بنفسه وزارة الدفاع، على عكس ما كان الحال عليه في الأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية إبان وجود ولي العهد السابق محمد بن نايف.
تنبع أهمية الخطوة من كونها لا تقتصر على الإقالات والتعيينات فحسب، بل أقرت أيضاً «وثيقة تطوير الدفاع»، وهو مشروع تعيده الرواية الرسمية إلى عهد الملك عبدالله بن عبد العزيز، حين كان يسوّق لها الجناح «السلماني»، ويتهم الأخير حقبة الراحل عبدالله، بصورة مبطنة، بإهمالها وعدم الاستماع إلى نصائح الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز. في تلك المرحلة، كان سلمان وزيراً للدفاع، ونجله محمد مديراً لمكتبه، وقد نجم عن مشروع «تطوير الدفاع» تشكيل لجنة للدراسة والمتابعة، عُيّن ابن سلمان أميناً عاماً لها، قبل أن يقوم عبدالله بطرد الأخير ومنع الأمير اليافع من دخول الوزارة كونه «متهوراً» وذا نزعة نحو «الاستحواذ على صلاحيات الغير».
وترمي الخطة، وفق المعلن منها، إلى تحقيق خمسة أهداف: تحقيق التفوق والتميز العملياتي المشترك، تطوير الأداء التنظيمي لوزارة الدفاع، تطوير الأداء الفردي ورفع المعنويات، تحسين كفاءة الإنفاق ودعم توطين التصنيع العسكري، تحديث منظومة الأسلحة.
لا يمكن أن يوضع المشروع الجديد في سياق بحث ابن سلمان خلف تثبيت النفوذ وإقصاء الخصوم كما هي سمة باقي الحملات التي يقودها داخلياً، وهو الذي يمسك بسلطة مباشرة على الجيش ووزارة الدفاع منذ أشهر طويلة. خارج سياق القبض على مفاصل النظام، يصحّ وصف العملية بأنها من الخطوات «الجدّية» القليلة التي يتخذها ولي العهد، ولو نظرياً.
يبدو ولي العهد مُصرّاً على افتتاح برنامج صناعة عسكرية
خطوة تستهدف إعادة هيكلة الجيش، وتأهيل القوة العسكرية للمملكة على الصعيدين الإداري والمعنوي خصوصاً، بما يتلاءم مع تبدل الاستراتيجية القديمة التي كانت تقضي بخوض المعارك بالوكالة، أو التمترس خلف قوة الحليف الأميركي وعدم التورط بصورة مباشرة في الحروب. تلك الاستراتيجية المنتهية الصلاحية منذ ثلاثة سنوات، أي منذ اندلاع حرب اليمن، مثلت انعكاساً لتبدل الاستراتيجية الأميركية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، ما تطلب اعتماداً سعودياً أكبر على الذات، في حال اختارت المملكة لعب الدور المركزي في اللعبة الإقليمية.
التجربة الأولى للانخراط العسكري المباشر (اليمن)، أثبتت مخاوف محمد بن سلمان التي حملها منذ عهد الملك عبدالله، وأظهرت فشلاً ذريعاً لا يمكن أن يقاس بالفشل المحدود الذي واجهه الجيش السعودي إبان الحروب على صعدة. وفق «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، فإن الجيش السعودي «نمر من ورق» وخيبة أمل كبيرة لمزوديه الغربيين بالأسلحة، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، برغم أنه أفضل الجيوش في العالم تجهيزاً. وبحسب تقرير لمدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في المعهد الأميركي، سايمون هيندرسون، نشر قبل أسابيع، يُعدّ «أداء سلاح الجو السعودي ضعيفاً جداً، كما أن أداء القوات البرية السعودية كان سيئاً في حماية المنطقة الحدودية جنوب غرب المملكة». كلام هندرسون يتطابق مع تقارير أميركية رسمية، بعضها يعود إلى العام 2008، تؤكد جميعها عدم كفاءة القوات السعودية، وتشرح تفصيلياً سبب عدم جاهزية عديد هذه القوات لتقديم استجابة عسكرية فعالة. في الأوامر الملكية الجديدة، بدا بارزاً إقرار تغيير شامل للقيادة العسكرية ولإدارة الحرب على اليمن: هيئة الأركان والقوات المشتركة، والقوات البرية والجوية والصاروخية.
تفصح شمولية التغيير عن قرار له ما بعده، وإصرار على السياسة العسكرية ومكانة الرياض ودورها في حروب الإقليم. ما تحتاجه السعودية عسكرياً، وربما يكون كافياً لتحقيق الهدف، وفق خبراء ومراقبين، هو البند الثالث من الرؤية: «تطوير الأداء الفردي ورفع المعنويات». وحول هذا الشق يرى تقرير أميركي رسمي، في معرض تعداد نقاط ضعف الجيش، أن ثمة مشكلة في «حافزية» الشباب للانخراط في القوات البرية، لا سيما في مجتمع مرفّه كالسعودية. وإذا ما كانت الرياض نجحت في اختبار كفاءة سلاح الجو وطياريه أثناء حرب اليمن، فإن أمامها شوطاً كبيراً لتأهيل القوات البرية المتعثرة عند الحدود الجنوبية. أما بند الصناعة العسكرية، وإن كان من غير الواضح كيف سينجح محمد بن سلمان في تحقيقه، إلا أنه يبدو مصراً على افتتاح برنامج صناعة عسكرية يخفف الضغط عن الموازنة السعودية، ويطمح تكنولوجياً إلى أبعد من ذلك، عبر إحياء البرنامج النووي السعودي الذي سيكون بنداً على جدول لقائه القريب بالرئيس الأميركي دونالد ترامب.
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/02/28