ما هي تعقيدات الحل الشامل التي تنتظر المبعوث الجديد لليمن غريفيث..
طالب الحسني
قدم المبعوث الأممي لليمن الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن الدولي عن اليمن ، في هذه الإحاطة إشارات واضحة إلى تعقيدات في طريق المبعوث الدولي الجديد البريطاني مارتن غريفيث ، الذي يتهيأ لاستلام المفاوضات بعد إعلان الأمين العام للأمم المتحدة 15 فبراير قبل الماضي تسميته خلفا للمبعوث السابق إسماعيل ولد الشيخ أحمد ، لن نتوقف عند الأعوام الثلاثة التي تسلم خلالها إسماعيل ولد الشيخ ملف المفاوضات اليمنية ” المعقدة” ولكن يبدو انه من اللازم التوقف عند أبرز النقاط التي تسببت في تعثر الوصول إلى حل خلال ثلاث جولات تفاوضية اثنتين منها في العام 2015، الأولى في جنيف 16-20 يونيو 2015 والثانية في مدينة بيل السويسرية أواخر 2015 ، والثالثة وهي الأطول واستمرت قرابة 100 يوم في العاصمة الكويتية المنامة ، انطلقت في 23 مايو 2016 وانتهت بإعلان الفشل فعليا أواخر أغسطس من نفس العام بعد آمال كبيرة على نجاحها
من يقرأ أحداث الثلاث الجولات من المفاوضات اليمنية سيجد أنها تتمحور عند 3 ملفات رئيسية ، الشق العسكري والأمني ، الشق السياسي ، الشق الإنساني ، ومن الواضح جدا أن الشق العسكري والأمني هو الأكثر جدلا وهو نقطة الخلاف التي نسفت كل الجهود بما في ذلك الشق الإنساني الذي كان لابد من تنفيذه أولا لوضع حدا للمعاناة الإنسانية المتفاقمة والتي تزداد سوءا في ظل استمرار العدوان والحصار الذي يقترب من دخول العام الرابع في الـ 26 من هذا الشهر ,,مارس ,, 2018
إسماعيل ولد الشيخ في إحاطته الأخيرة كشف ولأول مرة بحسب تصريحه ولا نملك تفسيرا منطقيا لتأخير هذا الإعلان ، أن أحد أسباب تعثر الحل في اليمن هو رفض أنصار الله الحوثيين تنفيذ الشق العسكري والأمني من خارطة الحل التي كان يحملها ، لكنه أي ولد الشيخ لم يفصل أسباب هذا الرفض حتى يتسنى للجميع معرفة بنود هذا الجزء من الحل وأسباب امتناع أنصار الله ” الحوثيين” عن تنفيذه ، باعتبار أن الشفافية كانت مطلوبة في ملف يحمل كل هذه التعقيدات ، فضلا أن ولد الشيخ خصص الحوثيين دون ذكر المؤتمر الشعبي العام ( حزب الرئيس صالح) على الرغم من أنهما كانا فريق تفاوضي واحد ، هذا التخصيص المثير للاستغراب أيضا لانملك تفسيرا له خاصة مع التحول الراهن ومرحلة ما بعد مقتل صالح
إذا ما عدنا إلى تصريحات كل الأطراف التي شاركت في جولات المفاوضات الثلاث سيتضح أن الجزء العسكري والأمني الذي أشار إليه المبعوث الدولي السابق لليمن إسماعيل ولد الشيخ واعتبره أحد أسباب تعثر الحل، يتضمن انسحاب أنصار الله وحليفهم المؤتمر الشعبي العام من العاصمة صنعاء ومحافظة الحديدة غرب اليمن ومحافظة تعز وسط اليمن، وتسليم السلاح لطرف ثالث ” دون تسميته ” حينها أو التوافق عليه ، قبل تنفيذ الشق السياسي الذي يتضمن بقاء هادي رئيسا شرفيا لفترة محدودة ونقل صلاحياته لنائب له يتم التوافق عليه ، وتشكيل حكومة جديدة من كل الأطراف ( هذا الشق السياسي وافق عليه جميع الأطراف بما في ذلك أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام) أما لماذا تم رفض الجزء العسكري والأمني فلهذه الأسباب
أولا لأن الخطة لا تتضمن انسحاب بقية الأطراف وتسليم أسلحتهم ومن بينهم مقاتلي الإصلاح ” إخوان اليمن ” الذين يسيطرون على أجزاء واسعة من محافظتي مأرب والجوف ،شرق اليمن ، وأجزاء من محافظة تعز ، وأيضا فصائل كثيرة من الحراك الجنوبي التي تسيطر على محافظات الجنوب اليمني ويطالبون بفك الارتباط والانفصال عن الشمال والعودة إلى ما قبل الوحدة 1990
ثانيا افتقاد الخطة إلى وجود ضمانات حقيقة بتنفيذ الشق السياسي من الحل ، وهو ما اعتبره أنصار الله والمؤتمر وأيضا حلفاؤهم عملية استسلام واضحة خاصة بعد فشل التحالف العسكري
ثالثا انعدام الثقة التامة بين كل الأطراف
ورابعا وهي نقطة مهمة ومفصلية استمرار التحالف بشن الغارات والتصعيد العسكري في كل الجبهات التي كانت تتزامن مع المفاوضات ، فتنفيذ هذا الجزء من الحل وتقديمه على الحل السياسي وعدم الوصول إلى توقف عمليات التحالف ، حلا عسكريا وليس سياسيا وتحت أصوات القصف والتدمير ، وهو استسلاما عمليا ودون أدنى شك
نعود إلى التعقيدات التي تنتظر المبعوث الدولي الجديد لليمن البريطاني مارتن غريفيث الذي سيأتي على خارطة عسكرية وسياسية مختلفة بنسبة كبيرة عن ما كانت عليه في جولات المفاوضات الثلاث الماضية ، ووضع إنساني كارثي يحتاج إلى حلول عاجلة وليس عملية ترميم كما يجري الآن ومن الصعب إيجاد هذه الحلول في ظل تعنت السعودية والتحالف الذي تقوده ، والإصرار على استمرار الحصار تحت مبررات غير مقبولة بما في ذلك التحجج بتزويد إيران لأنصار الله ” الحوثيين ” وحلفائها بالسلاح ، وفي هذه الجزئية تحديدا من المهم التذكير بفشل مشروع القرار البريطاني الذي قدم لمجلس الأمن الدولي مؤخرا وكان يتضمن إدانة إيران ، وفشل هذا المشروع عندما استخدمت روسيا ” الفيتو” وأقر المجلس بالإجماع على المشروع الروسي المتعلق بالتجديد للجنة العقوبات الدولية وفقا للقرار الدولي رقم 2140 – 2014 وهو القرار الذي وضع اليمن تحت الفصل السابع ، وهناك معارضة داخلية واسعة على هذا القرار
البناء على الأرضية التي انطلق منها إسماعيل ولد الشيخ وإعادة طرح المرجعيات الثلاث التي أعيد تكرارها خلال السنوات الثلاث الماضية ، وهي المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني والقرار الدولي 2216 ، وتجاهل شبكة معقدة من التغيرات العسكرية والسياسية في اليمن والإرتكاز فقط على ما تشترطه السعودية ، وتقديم الشق العسكري والأمني على الشق السياسي والإنساني ، هو الشروع في دائرة مغلقة من الصعب استخراج حلول منها ، وهي أبرز التعقيدات التي تقف في طريق الحل الشامل في اليمن ، فهل سيقف مارتن غريفيث ويبدأ من هنا ؟!
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/03/01