سبع سنوات على التدخل العسكري في البحرين
د. سعيد الشهابي
في مثل هذه الأيام قبل سبعة أعوام تفاجأ شعب البحرين باجتياح القوات السعودية أراضيه مدعومة بقوات إماراتية، في خطوة غير مسبوقة منذ التدخل السعودي في اليمن في العام 1963 والمواجهة مع القوات المصرية في عهد جمال عبد الناصر. المشهدان مختلفان تماما، ولكن ما هو مشترك بينهما يتمحور حول ما يمكن تسميته «الظاهرة السعودية» المتمثلة بالرغبة لبسط النفوذ الإقليمي من أجل الهيمنة السياسية والاقتصادية. أما الجانب الديني فيمثل سلاحا في مواجهة الفرقاء، ولم يكن يوما مشروعا استراتيجيا إلا بلحاظ ضمان التفوق السعودي. جاء ذلك الاجتياح بعد شهر من اندلاع الثورة البحرانية التي انطلقت في ذروة الربيع العربي وثوراته. ويمكن تسجيل الملاحظات التالية في الذكرى السابعة لذلك الاجتياح:
أولا: أن ذلك التدخل جاء خارج قواعد مجلس التعاون الخليجي. فبرغم أنه في الأساس منظومة أمنية منذ تأسيسه في العام 1981، إلا أن التدخل العسكري في الدول الأعضاء مشروط بأن يتعرض ذلك البلد لـ «عدوان خارجي». ولا تنص الاتفاقات على التصدي لما يحدث داخليا من تطورات. ويتردد أن المجلس لاحقا أعاد صياغة تلك السياسة التي أصبحت، إذا صحت الرواية، تشمل التدخل من أجل حماية النظام السياسي في حال تعرضه لخطر السقوط، حتى لو كان ذلك بسبب الرغبة الشعبية. الدول الأعضاء لاذت بالصمت، ولكنها، في ما عدا دولة الأمارات، رفضت التدخل العسكري المباشر. فرفضت سلطنة عمان ودولة قطر إرسال أي قوات، بينما أعلنت الكويت عن إرسال قوارب بحرية لـ «منع أي تدخل خارجي» من البحر. كانت هناك إشارات إلى تدخل إيراني لتأجيج الوضع، ولكن كان واضحا أيضا أن الثورة جاءت ضمن سياق تاريخي يقتضي التغيير ليس في البحرين فحسب، بل في أغلب البلدان العربية.
ثانيا: أن التدخل السعودي ـ الإماراتي كان يهدف لضرب الحراك الشعبي في البحرين الذي كان قد مضى عليه آنذاك شهر تخلله عنف سلطوي أدى إلى قتل عدد المتظاهرين. وبرغم أن الإعلان الرسمي عن ذلك التدخل أدعى أنه من أجل «حماية المنشآت العامة» وليس مواجهة الاحتجاجات، إلا أن العديد من القرائن والأدلة يؤكد مشاركة تلك القوات في قمع الاحتجاجات. وفي العام الماضي أعدمت السلطات البحرينية ثلاثة مواطنين أدعت أنهم شاركوا في قتل ضابط إماراتي، طارق الشحي، في العام 2014 كان متواجدا لقمع احتجاجات بمنطقة «الديه».
ثالثا: أن التدخل السعودي ـ الإماراتي كان بالون اختبار في ذروة ثورة عربية واسعة كادت تحدث تغيرا جوهريا في المنظومة السياسية في الشرق الأوسط. ومن بين دوافع التدخل المباشر المذكور انزعاج حكام السعودية والإمارات من الموقف الأمريكي إزاء الربيع العربي، وتأرجح مواقف واشنطن بين دعم التحول الديمقراطي أو الاستمرار في نمط السياسات التقليدية التي تدعم أنظمة الاستبداد العربية. وكانت سياسات الرئيس باراك أوباما المتأرجحة من بين الدوافع لذلك التدخل غير المسبوق.
واعتبرت البحرين ميدانا لفحص المبادرات المطروحة من جانب «قوى الثورة المضادة» التي ضمت كلا من «إسرائيل» وأمريكا وبريطانيا بالإضافة للسعودية والإمارات. فلو نجح التدخل السعودي ـ الإماراتي فسيكون ذلك معيارا لمدى القدرة على احتواء مشاريع التغيير عن طريق الثورات الشعبية. ويمكن القول أن التخطيط لذلك الاجتياح كان على مستوى عال من الدقة واستيعاب العالم العربي وتوجهاته الفكرية والدينية. فقد تم إسكات كافة القوى الثورية العربية بعد عرض الوضع البحراني ضمن أطر مذهبية. وشارك رموز إسلامية وعلماء كبار في احتضان تلك الفكرة، الأمر الذي سهل مهمة تحالف قوى الثورة المضادة خصوصا التحالف السعودي ـ الإماراتي. وقد تشجعت الدول التي بعثت قواتها إلى البحرين للتصدي للمشروع التغييري في المنطقة بكافة الوسائل. فلم يعد التدخل السعودي والإماراتي محصورا بالبحرين، بل توسع ليشهد حالات جديدة من التدخلات المباشرة. فلم يمض سوى عامين حتى تدخل التحالف السعودي ـ الإماراتي في مصر لضرب جماعة «الإخوان المسلمون» الذين كانوا قد فازوا عبر صناديق الاقتراع ووصلوا إلى البرلمان وتشكيل الحكومة وانتخاب رئيس الجمهورية.
رابعا: التدخل العسكري في البحرين شجع التحالف السعودي ـ الإماراتي على الاستمرار في سياسة «الاستباق» بالتدخل في الدول الأخرى لمنع أي تغيير سياسي. فاستهدفت ثورة ليبيا بتحويل مسارها إلى ظاهرة عنف متواصلة، وتم تمويل مجموعات وفصائل مسلحة عديدة، وتم دعم الجنرال حفتر في مقابل القوى الأخرى. واستفادت الإمارات بوجه خاص من ذلك الوضع فأصبحت عرابة الموقف هناك خصوصا بعد أن تدخل طيرانها بشكل مباشر لضرب المجموعات المختلفة مع حلفائها. وفي العام 2013 تدخلت السعودية والإمارات بشكل شبه علني لدعم الانقلاب العسكري في مصر ضد جماعة «الإخوان المسلمين»، بعد أقل من عام على فوز محمد مرسي بالانتخابات الرئاسية. ومنذ ذلك الوقت دخلت مصر مرحلة بشعة من العنف والتوتر الداخلي. ويمكن اعتبار الأزمة المصرية واحدة من أسوأ ما لحق بالأمة العربية من ضعف وهوان. فقد تحولت مصر عبد الناصر التي كانت أطروحاتها الفكرية والسياسية والثقافية تهيمن على العالم العربي من المحيط إلى الخليج، أداة بأيدي السعودية والإمارات، فتقزم دورها وأصبحت مستهدفة بالإرهاب كما وأصبح شبح التقسيم يلوح في افقها يوميا. لقد أبت قوى الثورة المضادة إلا أن تهمش مصر ودورها لإضعاف الأمة من جهة، وتسهيل مشروع التطبيع مع الكيان الإسرائيلي من جهة أخرى، وضرب التيار الإسلامي في مهده من جهة ثالثة.
خامسا: التحالف السعودي ـ الإماراتي الذي تبلور بشكل عملي واضح بعد التدخل العسكري في البحرين، لملم شمله واستجمع قواه ليخوض اكبر حرب في المنطقة منذ الحربين اللتين شنهما التحالف الأنكلو ـ أمريكي على العراق في 1991 و 2003. وتمر بعد أيام الذكرى الثالثة للحرب المدمرة على اليمن بدون أن يحقق التحالف السعودي ـ الإماراتي انجازات كبيرة تذكر سوى تدمير اليمن كحضارة وشعب متماسك وقوة إقليمية قادرة على منافسة مجلس التعاون الخليجي. وقد كشفت زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، للعاصمة البريطانية هذا الأسبوع عمق الوعي الشعبي المتصاعد لما يجري في اليمن. وبرغم الإنفاق الهائل من جانب السعودية على الدعاية والإعلام ورجال السياسة إلا أن التغطية الإعلامية للزيارة كانت بمجملها سلبية. وبرغم حرص رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، على توقيع صفقات تجارية وعسكرية بلغت قرابة 90 مليار دولار، فأن الحكومة البريطانية تواجه رأيا عاما ضد مشاركتها في الحرب وتصدير السلاح للسعودية والإمارات.
أن تجربة السنوات السبع الأخيرة قد كشفت هشاشة المنظومة السياسية الخليجية التي تتنافس السعودية والإمارات على قيادة سفينتها، خصوصا بعد أن اتضح ضعف كلا القيادتين. هذه المنظومة تواجه مخاطر شعبية داخلية، وتبعات التدخلات الفاشلة في الدول الأخرى كالبحرين وليبيا ومصر، والانعكاسات الخطيرة لحروب خاسرة كاليمن، وتصدع المجلس نفسه بسبب افتعال الأزمات مع الدول الأعضاء خصوصا قطر. هذه الهشاشة قد تكون مقدمة لتسونامي سياسي في الخليج يعصف بالساسة المبتدئين خصوصا وليي عهد الرياض وأبوظبي.
صحيفة القدس العربي
أضيف بتاريخ :2018/03/12