نظام المنافسات المتهم البريء
سطام المقرن
للأسف ليس صحيحا ما يردده البعض بأن نظام المنافسات هو السبب الحقيقي في تعثر المشاريع أو سوء تنفيذها، وإن كان الأخذ بالأقل سعراً له سلبياته على أرض الواقع فالإشكالية تتمثل في إيجابيات النظام نفسه
كثير من الكتاب والمحللين والمختصين يرجعون سبب تعثر المشاريع الحكومية وسوء أداء تنفيذها إلى نظام المنافسات والمشتريات الحكومية ولائحته التنفيذية، لأن هذا النظام في نظرهم يعد من أهم عوامل انتشار الفساد، حيث ينص على أخذ السعر الأقل الذي لا يكون مناسباً للشركات الجيدة والمؤهلة، فيأتي رجال أعمال فاسدون فيتقدمون للمناقصات بسعر أقل للفوز بالمشاريع!.
لا شك أن أي نظام لا يخلو من السلبية وعدم الإتقان وذلك لأنه من وضع البشر، وهؤلاء ليسوا بمنأى عن الخطأ والنسيان ناهيك عن تسارع وتيرة المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والتي تضعف أمامها الأنظمة واللوائح في حال عدم مواكبة التطورات الحديثة، ومنها نظام المنافسات والمشتريات الحكومية.
ولكن للأسف ليس صحيحا ما يردده البعض بأن نظام المنافسات هو السبب الحقيقي في تعثر المشاريع أو سوء تنفيذها، وإن كان الأخذ بالأقل سعراً له سلبياته على أرض الواقع، فالإشكالية تتمثل في إيجابيات النظام نفسه الذي أعطى للجهات الحكومية مرونة أكثر من خلال الصلاحيات التقديرية في تطبيق النظام!.
فكما هو معلوم أن المملكة عملت بعد إرساء الإدارة المركزية على إيجاد الأجهزة القادرة على تخطيط وتنفيذ مشاريع وبرامج التنمية، وذلك من خلال صدور العديد من الأنظمة التي تهدف إلى حسن الأداء وزيادة الفاعلية الإدارية ومنها نظام المنافسات والمشتريات الحكومية، وعلى هذا الأساس بدأت الإدارة الحكومية تتجه إلى اللامركزية في إدارة أعمال وأنشطة الجهات الحكومية وإعطاء المزيد من الصلاحيات والسلطات إلى الوزراء والمسؤولين في تلك الجهات فيما يتعلق بتنفيذ المشاريع وتوفير احتياجات الجهة الحكومية.
فمن يقوم بتصميم وتخطيط المشاريع ووضع المواصفات والشروط؟ ومن يقوم بوضع الأسعار التقديرية؟ ومن يقوم بالدراسات الفنية للمشاريع؟ وأخيراً من يقوم باختيار الشركات والمؤسسات المنفذة للمشاريع ومن ثم الإشراف عليها؟ والإجابة بكل بساطة هو "صاحب الصلاحية" .. فمن يكون يا ترى؟
من السمات الأساسية للعقود الحكومية أنها تستهدف تحقيق مصلحة عامة وهي كفالة حسن سير المرافق العامة والمشروعات المتصلة بها باستمرار وانتظام وحسن أداء الأعمال والخدمات المطلوبة وسرعة إنجازها، وعليه تتمتع الإدارة الحكومية بوصفها المسؤولة عن تحقيق الصالح العام بسلطات وحقوق استثنائية، وإن كانت مقيدة بما يرسمه النظام لها، حيث تعتبر سلطات تقديرية يمارسها رجال الإدارة لتحقيق الصالح العام وتسيير المرفق العام.
والحقيقة المرة أن البعض قد أساء استخدام تلك السلطات، فاستخدموا نظام المنافسات والمشتريات الحكومية كشماعة للفشل وغطاء على الممارسات الإدارية الفاسدة، والهروب من تحمل المسؤولية، فقد تكون الشركات المتعاقد معها قد دفعت عمولات مالية (رشوة) في سبيل الفوز بالمشاريع، أو أنها قد تكون مملوكة لأحد أصحاب المصلحة في الجهة الحكومية، أو أن هذه الجهة ليس لها القدرة الإدارية على إدارة مشاريعها، فالمشكلة الحقيقية للمشاريع الحكومية تتمثل في السلطات التقديرية الممنوحة لها في ظل غياب المساءلة لأصحاب الصلاحية، وليست في مواد نظام المنافسات.
فعلى سبيل المثال، يتحدث البعض عن قيام مقاولي المشاريع الحكومية بالتنازل من الباطن لمقاولين آخرين، وذلك لتحقيق أكبر قدر من الأرباح، مما يتسبب في تعثر الكثير من المشاريع، وكالمعتاد فإن سبب هذه المشكلة يعود إلى نظام المنافسات، الأمر الذي أدى إلى مطالبة مجلس الشورى بإدخال تعديلات على المادة الحادية والسبعين من النظام، ومع ذلك تم تجاهل مسؤولية الإدارة الحكومية في اختيار المقاولين من الباطن، وسلطات الإدارة في الرقابة على تنفيذ العقد، والتي حددها النظام ولائحته التنفيذية!، فتركوا الحبل على الغارب للمقاولين لاختيار من يشاؤون من شركات أخرى لتنفيذ المشروع، والتي ربما تكون مملوكة لأحد المسؤولين في الجهة.
فالسلطات التقديرية لصاحب الصلاحية لم يتم الالتفات إليها، بالرغم من دورها الكبير في تعثر العديد من المشاريع الحكومية، والتي في الحقيقة أصبحت سلطات مطلقة بدون أي قيود نظامية وبدون أية محاسبة أو مساءلة!، ولا أبالغ إن قلت إن بسبب هذه السلطة بدأ بعض أصحاب الصلاحية يتدخلون شخصياً في إدخال التعديلات في تصاميم المشاريع وبنودها دون أي قيد نظامي.
فعلى سبيل المثال، تنص المادة (السادسة والثلاثون) من نظام المنافسات على أنه "يجوز للجهة الحكومية زيادة التزامات المتعاقد ضمن نطاق العقد بما لا يتجاوز (10 %) من القيمة الإجمالية للعقد.."، وقد نظمت المادة (58) من اللائحة التنفيذية للنظام الضوابط الواجب مراعاتها عند ممارسة هذه الصلاحية.
وبعض الجهات الحكومية تستغل تلك الصلاحية في إجراء تعديلات وتغيرات على المشاريع، الأمر الذي قد يتعدى إلى تغيير كامل التصميم المتعاقد عليه سلفاً وإلى درجة تبديل محل العقد وموضوعه، مما يترتب على ذلك تأخر إنجاز المشاريع وتحمل مبالغ مالية إضافية بعشرات الملايين من الريالات، وبالطبع فإن المقاول لا يعترض على مثل هذه التعديلات ولا يطالب بعمل عقد جديد بسبب زيادة أرباحه المالية نتيجةً لهذه التغيرات، حتى وإن زادت عن نطاق العقد المتفق عليه، لذا تضطر الحكومة لدفع تعويضات مالية إلى المقاول ويتم توجيه اللوم إلى الاستشاري والإدارة المسؤولة عن الإشراف على المشاريع فقط!، ومع ذلك لا يتم البحث أو مراجعة السلطات التقديرية لصاحب الصلاحية!.
لقد نص تنظيم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في المادة (الثانية) على أن من ضمن اختصاصاتها "التحري عن أوجه الفساد المالي والإداري في عقود الأشغال العامة وعقود التشغيل والصيانة وغيرها من العقود، المتعلقة بالشأن العام ومصالح المواطنين" وأوجه الفساد موجودة في الصلاحيات التقديرية الممنوحة للجهات الحكومية في تنفيذ برامجها ومشاريعها.. فمتى تتحرك "نزاهة" وتبحث في هذه الصلاحيات؟.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2016/01/19