نحتاج إلى ثورة ضمير في شرق الأديان
سامي كليب
في أربعينيات القرن الماضي كتب العالم الفيزيائي الألماني الشهير ألبرت أنشتاين :" لا أعرف كيف ستكون الحرب العالمية الثالثة، لكني أعرف أنه لن يكون هناك كثير من الناس حتى يروا الحرب العالمية الرابعة".
اليوم وأنا أقرأ في مكان هادئ بعيد عن ضوضاء السياسية وصوت القذائف وأزيز الرصاص، قرأت حكمة تقول:" أن الحرب كالحب، سهلة البداية، صعبة النهاية، مستحيلة النسيان"...
يحق لنا نحن أهل الشرق أن نسأل اليوم، لماذا كل هذه الحروب الطاحنة تدور في شرقنا الذي أثمر الأديان السماوية. هل المشكلة فينا أم أننا عاجزون عن منعها؟ لماذا كل هذه الدماء والدمار والدموع؟ لماذا سمحنا لكل هذه الصراعات الدولية والإقليمية عبر التاريخ والحاضر أن تخترق مجتمعاتنا ونفوسنا، فننقسم على بعضنا: هنا طرف يوالي هذه الدولة، وهناك تابع لدولة أخرى، والجميع يتنافخ شرفا بأنه سيد ومستقل، ثم نختار لنا قادة من أولئك الذين خدموا الدول المستعمرة والغازية والمنتدبة.
حان الوقت كي نفهم أن مصالح الدول لا تبالي بنا. هي ليست مهمومة بالديمقراطية والحريات. لا فرق عندها أن بقي رئيس أو ملك أو أمير أو جاءت معارضة مكانه. الأهم هو من يضمن مصالحها، ويستجيب لرغباتها ويهديها ثرواتنا ويحوِّل أرضنا إلى أسواق نخاسة لبيع السلاح. هنا بالضبط تصبح المسألة قضية شرف في الدفاع عن الوطن، أو بيع الوطن وبيع الشرف. قالها رئيس وزراء بريطانيا السابق، الدبلوماسي المحنك ونستون تشرشل بعد الحرب العالمية مخاطبا بعض الخونة : " لقد خيَّروكم بين الحرب أو بيع الشرف، فاخترتم بيع شرفكم لكن الحرب مع ذلك أتت". ربح تشرشل الحرب لكنه لم يفرح ولم يهلل وإنما قال بسخريته الذكية المعتادة :" حين انتهت الحرب، كنت أمام خيارين، إما أن أصبح نائبا أو سكِّيرا ، أشكر الله أني لم أصبح نائبا" .
أفكر بكل هذا الآن وأنا أسير بين أشجار وارفة وحدائق غنَّاء وبيوت هادئة وطبيعة حالمة في منطقة فرنسية بعيدة عن كل شيء. ربما يستاء البعض منِّي ويعتبرني أعيش في قصر عاجي، أبوابه مرصَّعة بالذهب والألماس، لكني في الواقع عشت الحرب وويلاتها وفقدت كثيرا من أهلي وأصدقائي، وكدت أموت مرارا في حربنا اللبنانية وفي خلال تغطيتي، كمراسل حربي، لحروب كثيرة أخرى في العالم، من العراق إلى كوسوفو إلى رواندا والجزائر والصومال وغيرها...لم ينقذني من تواضع الحال سوى تعبي وعرق الجبين لم أرث مجدا ولا زعامة ولم أولد وفي فمي ملعقة من ذهب. لكني الآن، أفكر بمجانية الحروب بين بعضنا البعض بينما المستفيد الوحيد منها هي دول أخرى.
أفكر بكل هذه الأمور وأنا أرى صقورا عاشقين للحروب يتولون مناصب كبيرة حول الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من بومبيو إلى بولتن وغيرهما. أنهم يعدّون لمشاريع تدميرية وسوف يتخترعون لها الكذبات المناسبة طالما مصلحتهم ومصلحة إسرائيل فوق كل اعتبار ( انظروا ماذا قالت ممثلة أميركا في مجلس الأمن أمام اللوبي الصهيوني في أميركا الأيباك) .
رأينا بعض هؤلاء الصقور كيف تركوا العراق مدمرا ومقسما بعد أن حولوه إلى مقبرة جماعية لأكثر من مليون ونصف مليون شخص بينهم ٥٠٠ ألف طفل. رأينا هؤلاء مع قادة أوروبيين يكذبون في العراق وليبيا وسوريا ولبنان واليمن، يتباكون على الحريات والديمقراطية، ولا يبالون بقتل البشر في مجازر جماعية. لا بأس أن يستدعي القضاء الفرنسي اليوم الرئيس السابق نيكولا ساركوزي بشأن احتمال حصوله على رشاوى من العقيد معمر القذافي لحملته الانتخابية. لكن بعد ماذا؟ بعد أن قتلوا العقيد ودمروا ليبيا وقسموها بذريعة الديمقراطية؟ أليسوا هم من فرش للعقيد السجاد الأحمر في الاليزية وبريطانيا وإيطاليا وغيرها حين تخلى عن السلاح وفتح أبواب ليبيا للاستثمارات الغربية.
نعم أيها السادة، نحن سوق نخاسة لتجارب السلاح وتجارة السلاح ونهب ثرواتنا. ونعم هناك استعدادات كبيرة تجري الآن لإنهاء ما بقي من القضية الفلسطينية، وتكريس عمليات تقسيم مشبوهة في كل المنطقة. فلا يغرنّكم تربيت هذه الدولة العظمى أو تلك الدولة المتوسطة أو ذاك الكيان العنصري على أكتافكم... هؤلاء ما أحبوا يوما إلا من يقبل الذل وطأطأة الرأس والذل والخنوع...
نحن بحاجة اليوم إلى صحوة ضمير داخلية، بحاجة إلى نقد ذاتي حقيقي، بحاجة لأن نقول كفانا حروبا بين بعضنا البعض، فمن دعم المسلحين والمعارضة بالأمس هو نفسه من يقبل ببيعهم اليوم في أسواق النخاسة بعد أن انتهت مهمتهم. من اقنع أنطوان لحد وعملائه في جنوب لبنان بأنهار اللبن والعسل حين كان يجتاح لبنان ويحتله، هو نفسه من ترك هؤلاء أذلاء على قارعة الطريق. من زيّن لبعض العراقيين بأن دخولهم على صهوة الدبابات الأميركية لحكم العراق بعد الرئيس صدام حسين واجتثاث البعث، هو من ورطهم بالتقسيم وداعش والإرهاب، فبات العراق دولة فقيرة، اغتيل فيه ٥٠٠٠ عالم وتعرض شعبه لأسوأ كارثة غذائية، وتخلّف علميا.. هكذا يريدون للدول الأخرى أن تعود إلى العصور الوسطى فيسهل حكمها ونهبها.
لو كانت الإنسانية هي الهدف النبيل لتلك الدول التي تضحك علينا، أنظمة ومعارضات وشعوبا، لما تُرك الصومال ينوء تحت الفقر والجوع، ولما تُرك المسيحيون يهجرون مهد السيد المسيح فلا يبقى منهم في أرض الرسالة الانجيلية المقدسة في بيت لحم والقدس وغيرهما أكثر من ٢ بالمئة، ولما تُرك السريان وهم في أصل هذا الشرق ولغته وحضارته والكلدان والأشوريون والأيزيديون يهاجرون ليستوطنوا مدنا غريبة عنهم من السويد إلى أوروبا فأميركا.
نحتاج لصحوة ضمير، لا بل لثورة ضمير، بدل كل هذه البطولات والعنتريات على بعضنا البعض. حين يُصبح انتماؤنا لأوطاننا واهتمامنا بمصالحنا أهم من ارتمائنا في الأوهام وأحضان هذه الدولة أو تلك، حينها نتآلف ونتصالح ونشكل سدا منيعا أمام الرياح الإقليمية والدولية التي قد لا تترك أحدا يعرف ماذا حصل في الحرب العالمية الثالثة....
نحن الآن مجرد لحم مدافع ووقود مدافع لقوى كثيرة تتصارع على أرضنا، تريد كل شيء إلا الخير لأرضنا التي منها كان السيد المسيح وآخر الرسل النبي المصطفى. فطوبى لمن يقاتل لصد الاجتياحات والاستعمارات الجديدة وطوبى أكبر لمن يمد اليد لأخيه في الوطن الواحد وفي الأمة الواحدة كي يطوي صفحة الحرب ويبني الأوطان. كفانا أوهاما وغرورا، لن يحمي مصالحنا إلا تآلفنا، وكل الدول الأخرى لا تفكر إلا بمصالحها... كلها .
لصالح مدونة " سامي كليب" على "الفيس بوك"
أضيف بتاريخ :2018/03/24