خيوط اللعبة.. أميركا وبريطانيا وفرنسا تدعم الأسد
سامي كليب
النتيجة الأولى للهجوم الصاروخي الأطلسي على سوريا، هو تعزيز دور الرئيس السوري بشار الأسد في الداخل وتكثيف التضامن الشعبي العربي مع سوريا وترسيخ دور إيران وحزب الله أكثر في المرحلة المقبلة ضد إسرائيل، ذلك أن هذا العدوان المحدود الأهداف لم يستهدف فقط الأسد وإنما هيبة روسيا التي ستشعر بتحرر أكثر في المرحلة المقبلة من الضغوط الغربية لتعزيز حضور الجيش السوري في مناطق عديدة.
ماذا أولا في أسباب العدوان:
ليس بين الأسباب مطلقا ما يدعم المعارضة أو يعزز الديمقراطية أو ينشر الحريات أو يسرِّع رحيل الرئيس الأسد. فكل هذه المطالب التي استُخدمت ذريعة على مدى السنوات الثماني الماضية لتدمير سوريا، سقطت منذ أجبر الأطلسي المعارضة المشتتة على التفاوض مع وفد الحكومة السورية بشروط بسيطة.
الأسباب إذا هي التالية:
• رفع دونالد ترامب المتخبط في سياسته الداخلي وسط سيل الاستقالات في إدارته وتكثيف التحقيقات حول تعاونه مع روسيا وفضائح أخرى بينها جنسية، مستوى التحدي، فما عاد قادرا على التراجع دون القيام بضربة ولو بسيطة. هو يعتقد أنه بذلك يحقق ٤ أهداف أساسية، أولها إظهار شيء من قوته، وثانيها إبعاد الشبهات حول علاقته بروسيا وثالثها بعث رسالة إلى إسرائيل، ورابعها تقديم فاتورة لما قبضه وسيقبضه من دول الخليج، خصوصا بعد القمة الخليجية التي تنعقد غدا ( وتهلل للعدوان طبعا كما هللت سابقا لاجتياح العراق وليبيا) والتي تلي اجتماعاته مع ولي عهد السعودية وأمير قطر.
• كان لا بد للضربة أن تسبق أي تحقيق فعلي بموضوع الكيماوي، لأن نتائج التحقيق قد تكذِّب الاتهامات خصوصا بعدما سلطت روسيا النار على بريطانيا متهمة إياها بأنها فبركت الدلائل. لو كان لدى الأطلسي دلائل قوية لعرضها مئات المرات كل يوم.
• كما أراد الغرب الأطلسي قبل فترة تقديم صورة (ولو هشة) لتعاون أجهزته الاستخباراتية عبر طرد الدبلوماسيين الروس، فهو يريد الآن تقديم صورة عن تعاون قواته العسكرية في مواجهة روسيا. يحتاج الأطلسي إلى رسالة عسكرية دولية قوية بعدما عرض فلاديمير بوتين أكثر من مرة عضلاته العسكرية والصاروخية قبل الانتخابات التي عزز موقعه فيها فزاد قلق الغرب. سوريا كانت ولا تزال جزءا من أبرز ساحات الصراع الروسي الأطلسي في العالم.
* تشعر الدول الأطلسية بأنها خذلت المعارضة السورية وساهمت في تهميشها، كما تشعر بريطانيا مثلا بأنها أخطأت حين لم توافق باراك أوباما سابقا على ضرب سوريا دون العودة إلى البرلمان البريطاني.. لعل في ما فعلت أمس محاولة لتصحيح الخطأ أو على الأقل تصحيح الصورة .
• جاءت الضربات فيما تعيش رئيس وزراء بريطانيا تريزا ماي حالة سياسية سيئة ومفككة في الداخل، وبينما تشل فرنسا حركة إضرابات كبيرة في أول تحد شعبي ونقابي وعمالي جدي لمشاريع ايمانويل ماكرون المثيرة للجدل. كما جاءت بعد صفقات بأكثر من ٢٠ مليار دولار بين فرنسا والسعودية. لا شك أن الرأي العام سيتحرك في كل هذه الدول في الأيام المقبلة لمساءلة ساسته عما فعلوا.
• تعتقد الدول الأطلسية أن العودة إلى المنطق العسكري الدولي في سوريا ضد محور روسيا- إيران- الجيش السوري- حزب الله، من شأنه إقناع بوتين بتخفيف الحضور الإيراني على الأراضي السورية، وإقناع الأسد بحلحلة شروط التفاوض في المرحلة المقبلة. شعرت هذه الدول الأطلسية أن استعادة الدولة السورية لكامل الغوطة هي المرحلة ما قبل الأخيرة لاستعادة كل سوريا دون أي ثمن مقابل.
لاحظوا مثلا أن وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان قال مباشرة بعد العدوان أمس:" إن فرنسا تريد الآن العمل على إعادة إطلاق المسار السياسي لحل الأزمة السورية " .هو كما حلفاؤه في الأطلسي يعتقدون أن رفع الضغوط يمكن أن يقنع بوتين بالضغط على الأسد لإجراء انتخابات سابقة لأوانها وعدم الترشح. كان هذا صعبا في السابق، بات الآن مستحيلا. سيبقى الأسد بدعم روسيا وحلفائه حتى آخر يوم من ولايته.
• سبق العدوان على سوريا، هجمة أميركية وإسرائيلية كبيرة على الدول الغربية لدفعها إلى إلغاء أو تعديل الاتفاق النووي مع إيران. هذا الاتفاق سيناقش في أيار/ مايو المقبل. كان لا بد من محاولة إظهار التضامن الدولي قبل ذاك الموعد الحساس.
ماذا ثانيا في النتائج:
• على المستوى العسكري، دمّرت الصواريخ (خصوصا الأميركية والبريطانية) مقار عسكرية تعتقد الدول الأطلسية أنها حساسة لجهة تصنيع أسلحة إستراتيجية، لكن هذا التدمير بقي محدودا جدا، خصوصا أن روسيا كانت تعلم مسبقا بما سيحصل وأين تقريبا. وتعتقد الدول الأطلسية أن بعض الأماكن المستهدفة القريبة من الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة تحمل رسائل تحذيرية للمستقبل.
• من المفترض أن بعض الهجمات كانت تستهدف صواريخ إستراتيجية تخشاها إسرائيل في المستقبل وهي ربما من النوع الذي نُقل بعضه بنجاح إلى حزب الله في السنوات القليلة الماضية، أو من النوع الذي يُمكن أن يُسقط طائرات في المستقبل.
• لم يغيِّر القصف الصاروخي في المعادلة الحالية شيئا، فهو استهدف إضعاف بعض القدرات الإستراتيجية ولم يخلخل موازين القوى الحالية، ولذلك فإن روسيا وإيران لم تتدخلا مباشرة في الرد وإنما ساهمتا في تقديم مساعدة قيِّمة بالنسبة للإحداثيات وإسقاط الصواريخ. ربما كان المقصود تقديم صورة عن الجيش السوري الجديد القادر على صد الصواريخ. على كل حال هذه أسرار عسكرية من الصعب معرفة كل تفاصيلها الآن. من يدَّعي أنه يعرف غير المسؤولين الكبار في الدول المعنية، فهو يغالي أو يكذب.
• إن عدم التدخل الروسي المباشر والإيراني المباشر، دفع سوريين كثيرين للتشكيك بموقف الدولتين، ذلك أن موسكو كانت رفعت اللهجة كثيرا منذ أسابيع وأيام على كيفية ردها على الصواريخ ووصل الأمر ببعض الروس إلى حد الحديث عن الرد على مصدر إطلاق الصواريخ. لم يحصُل شيء من كل هذا. هل هو تعبير عن عجز؟ هل هو رغبة بعدم الانجرار إلى الحرب؟ أم أن محدودية الضربات اقتضت محدودية الرد؟ على الأرجح الاحتمال الأخير هو الأساس، لكن الأكيد أن السوريين شعروا بالخذلان، لأن عاطفتهم كانت تنتظر قيام الحلفاء بقطع يد من قصف بلادهم. هذا لم يحصل، ولن يحصل، فليس من مصلحة أحد توسيع رقعة الحرب في المرحلة الحالية.
ما هو المتوقع ثالثا:
• الجيش السوري سوف يستكمل سيطرته على مناطق جديدة بدعم روسي إيراني ومن حزب الله.
• عودة الكلام الدبلوماسي بين الأطلسي وروسيا هو الأساس، ذلك أن لا سبيل سوى بالرجوع إلى التفاوض السياسي، لكن الغرب الأطلسي يريد تحسين هذه الشروط وعدم حصر الأمر بروسيا وتركيا وإيران. روسيا لن تمانع في توسيع الإطار لكن دون شروط مسبقة.
ما المتوقع من المعارضة وداعميها رابعا؟
• لا شيء يُذكر، فاللعبة خرجت من أيدي هؤلاء. لم يعد هناك سوى تركيا التي تنسق عمليا مع الروس والإيرانيين. من يريد أن يعرف أين هي المعارضة في هذه المعمعة يمكنه أن يقرأ بيان " المؤتمر الوطني الديمقراطي السوري" الذي يقول بجرأة لافتة ( و ربما بقلم هيثم مناع) : " أن أية معارضة مرتهنة ليست فقط قاصرة الرؤيا، بل مستعبدة لأسيادها ومضطرة لأن تبرر لها ما لا يُبرر، وأن المعارضة الرسمية الممثلة في الهيئة التفاوضية هي تجميع للأضداد والمتناقضات، ومن الصعب أن تخوض أية مفاوضات جدية ، فما الذي يجمع بين من يستجدي قصف البلاد العباد ومن يعتبر هذا القصف جريمة ؟ "
ما المطلوب في المرحلة المقبلة؟
يريد الغرب الأطلسي، إلغاء أو تخفيف وجود ودور إيران وحزب الله في سوريا، ويريد تقاسم بعض الثروات النفطية الهائلة مع روسيا، ويريد منع بوتين من لعب دور كبير في الشرق الأوسط، ويريد حماية إسرائيل بعد سيطرة الدولة السورية على القسم الأكبر من الأراضي... من الصعب إذا القول أن اللعبة انتهت. لكن الأكيد أن العدوان عزز سلطة الأسد وتشدد روسيا ودعم إيران وحزب الله وليس العكس.... لعبة المحاور تميل أكثر الآن لصالح محور المقاومة.
لصالح مدونة "سامي كليب"
أضيف بتاريخ :2018/04/15