نتائج وتداعيات الهجوم الصاروخي على سوريا
جمال الكندي
ترقب العالم على مدار أسبوع الضربة الصاروخية التي توعد بها الرئيس ترامب سوريا، وأخذت التحليلات العسكرية والسياسية تختلف بين قطبين، مؤيد للحكومة السورية والقطب الآخر التقليدي الذي يعادي سوريا منذ بداية أزمتها ويقف مع المسلحين لأغراض سياسية واقتصادية كشفت عنها هذه الأزمة.
فبعد مخاض عسير وأخذ ورد وتناقضات “تويترية” يرسلها الرئيس ترامب شنت ثلاث دول، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا ضربةً صاروخيةً على مواقع يقال إنها تصنع المواد الكيميائية، وبدون تحقيق فقط عن طريق صور وفيديوهات التواصل الاجتماعي، قررت هذه الدول أن تكون هي المحقق، والقاضي، والجلاد المنفذ.
الضربة الصاروخية كانت متوقعة بسبب الضخ الإعلامي الكبير، والذي كان سببه الرئيس “ترامب” بتصريحاته التويترية -إن صح التعبير- والتي كانت مفاجأة للدائرة العسكرية والسياسية القريبة منه، وقد رأينا هذا التناقض بين تصريحات البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأمريكية.
المخاض كان شديداً والوالدة بشرت بمائة وعشرة صواريخ، جزء كبير منها أسقطتها الدفاعات السورية، وهذا يدل على حجم الاختلاف الكبير بين القيادة العسكرية الأمريكية، وبين الساسة في البيت الأبيض، فغياب الاستراتيجية في سوريا كان هو العنوان البارز المطروح لدى الرئيس “ترامب”، فكلمة ماذا بعد؟ وكيف نتعامل مع الوجود الروسي في سوريا ؟ وماذا نريد من هذا البلد ؟ وهل نحن مقدمون على عراق جديد تعيد في أذهاننا مشهد التوابيت الأمريكية؟ كل هذه الأسئلة لم تجد الجواب في اجتماع الأمن القومي الأمريكي الذي انعقد أكثر من مرة ولم يتفق فيه الصقور والحمائم على قرار حاسم، وهذا يعود إلى غياب الاستراتيجية السياسية والعسكرية في سوريا.
الوجود الأمريكي في سوريا هو بسبب الحرب على داعش، وهي استراتيجيه معلنة في هذا البلد، وهو مقبول لدى الشارع الأمريكي، ولكن مغامرة جديدة تعيد مشهد القتلى الأمريكان أمر مرفوض، وضد سياسة الرئيس “ترامب” التي أعلن عنها في حملته الانتخابية.
الانكفاء في الداخل الأمريكي والعمل على البناء وعدم تنصيب أمريكا شرطي العالم هي المبادئ التي أعلن عنها “ترامب” وفاز بالرئاسة بسببها، لذلك قالها وبدون استشارة أحد سنخرج من سوريا قريباً – وقريباً جداً-، وبعد أسبوع أو أكثر تغير السناريو وأصبح تهديد سوريا هو العنوان وكانت الضربة ترجمة حية لذلك.
هذا التناقض في السياسات نابع من قصر النظر وتحكم بعض القوى في قرارات الرئيس الأمريكي “ترامب”، ووجود مال سياسي ينفق من أجل إطالة الوجود الأمريكي في المنطقة بحجة فراغ القطب الآخر المعادي لإسرائيل.
هذه الضربة أحيت الحلف الأمريكي الأوربي القديم، والذي كانت أضلاعه الثالثة هي أمريكا وفرنسا وبريطانيا ، أحد هذه الأضلاع الثلاثة كانت غائبة في حرب العراق، فجاءت هذه الأزمة لتعيد الضلع الناقص ، والذي برجوعه ترجع الهيمنة الأمريكية على أوروبا.
الضربة الصاروخية على سوريا كانت لها نتائج وتداعيات، قبل ذكر نتائج هذه الضربة وتداعياتها، هنالك أسئلة تدور في ذهن المراقب للأزمة السورية وهي: لماذا تتهم الحكومة السورية باستخدام الكيماوي عند كل تقدم ميداني كبير؟ والسؤال الثاني لماذا تستعمل سوريا الكيماوي وهي منتصرة في الغوطة الشرقية، ولم يبق سوى دوما، وقد كانت محاصرة من كل الجهات .
هي أسئلة محيرة -فعلاً- جوابها كان عبر صواريخ الرحمة التي جاءت لتنقذ الشعب السوري من (كيماوي النظام) !!!!!،ولكن الجواب الأكيد هو الحسم العسكري الكبير في الغوطة الشرقية، وتنظيفها من المسلحين المحسوبين على أبرز دول الضغط في اجتماعات جنيف كان لا بد له من ثمن، إنها ضريبة تحرير الغوطة، وقلع خنجر كان في خاصرة دمشق.
نتائج الضربة في الداخل السوري، كانت في لحمة الشعب مع قيادته السياسية وقد رأينا ذلك في شوارع دمشق وباقي المحافظات السورية.
أما من الناحية العسكرية فقد أدرك الحليف الروسي ضرورة تزويد سوريا بسلاح ردعي يوازن الأمور في المنطقة ويكسر التفوق العسكري لأعداء سوريا، وهذا الأمر كانت تتحسبه وتهاب منه إسرائيل، وتحاول ثني موسكو من الإقدام عليه، ولكن بعد هذه الضربة أصبح العنوان القادم هو (أس 300 ) فهو السلاح الذي سيقضي على آمال أي عدوان صاروخي قادم، وقد ذكر ذلك رئيس مديرية العمليات العامة في هيئة الأركان الروسية حيث قال “روسيا قد تعيد النظر في قضية توريد منظومات الدفاع الجوي الصاروخية أس 300 إلى سوريا”.
الضربة هي رسالة موجهة إلى روسيا مفادها إحياء الحلف الأوربي الأمريكي، خاصةً بعد حادثة محاولة قتل الجاسوس الروسي المزدوج في بريطانيا بمادة كيماوية، فهي محاولة لشيطنة روسيا بعد الاستعراض الذي قام به “بوتين” وأظهر قدرات روسيا العسكرية، واختبار لخطوطها الحمراء والتي لم تتجاوزها صواريخ التحالف الثلاثي.
الضربة الصاروخية أعادت في العقل الجمعي البريطاني مسألة التبعية لأمريكا، والتي عانت منها بريطانيا إبان حرب العراق وسوف يتم مسائلة رئيسة وزراء بريطانيا “تيريزا ماي” عن دوافع هذه الضربة، وهل كانت ضمن مصلحة الأمن القومي البريطاني أم أنها كانت وراء أوامر السيد الأمريكي، وقد قالها زعيم المعارضة البريطاني أن الضربة ليست لها أساس قانوني وهو يقصد موافقة البرلمان البريطاني.
الأكيد بأن هذه الضربة ستوسع الفجوة بين الرئيس الأمريكي وقيادته العسكرية والسياسية، وسينسحب ذلك على الشارع الأمريكي الرافض لأي تدخل عسكري جديد يعيد ذكريات حرب الخليج .
الضربة كانت محدودةً، وتجنبت الصدام المباشر مع الروس والإيرانيين خوفاً من وقوع حرب لا يعلم متى تنتهي ، وهذا يدل على أن الرسالة الروسية وصلت لقيادة التحالف الثلاثي وقرأوها جيداً، لا تغيير في الوضع السوري وفي قيادته السياسية وأي مساس بها ستستخدم الأسلحة الاستراتيجية من أجل الحليف السوري ، وهذا ما بات يدركه الحلف.
ختاماً أود أن أستشهد بكلمات الدكتور بشار الجعفري مندوب سوريا في مجلس الأمن حيث قال في إحدى مداخلاته في مجلس الأمن بتاريخ( 9 إبريل 2018 )”بالكذب سرقت فلسطين وبالكذب احتلت العراق، وبالكذب دمرت ليبيا، وبالكذب يحاول النيل من سوريا والعدوان عليها” طبعاً عن طريق مسرحية الكيماوي وحقوق الشعب السوري المسلوبة والتي سوف ترجعها أمريكا عبر طائراتها وصواريخها.
السؤال هنا إلى متى هذا الكذب والاستخفاف بعقول العرب؟! قولوها صراحةً نحن نريد ثرواتكم، ونريد سلب إرادتكم السياسية، إنه الاحتلال بثوبه الجديد المتشدق بحقوق الإنسان والديمقراطية، والحرية فهل نعي ذلك؟!.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/04/17