يا قمّةً سخِر منها العربُ قبل العجمِ
فوزي بن يونس بن حديد
الضربات التي أطلقها العدوان الثلاثي الأمريكي البريطاني الفرنسي على سوريا لا شك مؤلمة وموجعة لكنها في الوقت نفسه سخيفة وغبية إلى حد السخرية، لأنها ببساطة كما قال كثير من المغردين لم تصب أهدافها وكانت تغريدات ترامب على تويتر أقوى بكثير من ضرباته على الأرض، إذ تصدت لها المنظومات الدفاعية السورية بكل جدارة لتعلن أنها ضربات غبية وليست ذكية كما ظنها ترامب، وكل الذين راهنوا على سقوط النظام بهذه الضربات غير الدقيقة طأطأوا رؤوسهم ونكّسوها لتعلن سوريا في اليوم الذي تعرضت فيه للعدوان أنها أقوى مما كانت عليه، وأن الذين يظنون بها سوءا صُدموا بعد ما فاجأهم الصمود الكبير للشعب السوري وقيادته في تحرير أرضه شبرا شبرا، ولا يترك للإرهابيين فرصة لتجميع صفوفهم من جديد أو لداعميهم من أمريكا والسعودية وتركيا لحفر خنادق جديدة وتدمير البنية السورية.
إن ما حدث فعلا يؤكد اليأس والإحباط لهذه المجموعة الدولية التي أقدمت على هذه الخطوة الغبية في وقت كانت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية تعمل من أجل إظهار الحقيقة أمام العالم، غير أن هذه الدول الثلاث أبت إلا أن تضرب دمشق وأبت إلا أن تسبق الخطوة الأممية، ولتبين للعالم كم هي غبية فعلا، فإذا كانت هذه الدول تدعي الحقيقة كما تقول وأنها تريد أن تدافع عن الشعوب لما قامت بضرب دمشق بل كان الأولى أن تنتظر نتائج التحقيق ثم تقرر ماذا ستفعل في إطار مجلس الأمن الذي أصبح اليوم مجلس الرّعب مادامت المندوبة الأمريكية تهدّد الدول وتتحدى القرارات وتفعل ما تشاء، وصار مثل حلبة صراع بين القوى العظمى وخاصة الدول الاستعمارية والامبريالية كأمريكا وبريطانيا وفرنسا.
ولا أحد ينسى ما جرى في العالم من ويلات وخيبات جراء سياسة هذه الدول الثلاث واستخدامها كل الأسلحة المحرّمة دوليا في حروبها واستعمارها ولعل القنبلة النووية التي أطلقتها أمريكا على هيروشيما وناجازاكي ما زال يتردد صداها إلى الآن ولم يحاسبها أحد من العالم إلى اليوم وكذلك بريطانيا وفرنسا الدولتان الاستعماريتان اللتان انتهكتا سيادة دول بأكملها في شمال إفريقيا ودول الشرق الأوسط واقتسمتا التنكيل بالشعوب المناضلة ضد الاستعمار ونهب الثروات لم تتعرضا للمساءلة في مجلس الأمن فكيف تطالب هذه الدول التي تسمي نفسها عظمى بلدا مثل سوريا بالكف عن استخدام أسلحة كيماوية ضد شعبها وهي لم تفعل ذلك بل تدافع عن أرضها، يا لها من مفارقة غريبة، فبأي منطق يتحدثون؟.
لقد بان واضحا أن العالم تغير بعد الحرب على سوريا، وخاصة بعد تحرير الغوطة الشرقية بالكامل والضربة الغاشمة والظالمة على دمشق، ولا شك أن حلفاء سوريا اليوم وعلى رأسهم سوريا نفسها لا يهمها ما يخبئه لها هؤلاء الحلفاء الذين أوهموا العالم أنهم قادرون على تغيير موازين القوى في سوريا لصالحهم، فسوريا قوية وأقوى مما كانت عليه اليوم، وحلف المقاومة يتمدد يوما بعد يوم. فالحليف الإيراني لم يردّ إلى الآن على قتل جنود إيرانيين في سوريا، وقد يردّ في سوريا وتحديدا في القاعدة الأمريكية شمال سوريا، أما الحليف الروسي فهو يرقب الأوضاع ويحاول تهدئة الأمور خوفا من التصادم مع الولايات المتحدة الأمريكية التي إن جازفت مرة أخرى وقامت بعمل مجنون فعواقب ذلك وخيمة لا شك.
أما حزب الله فهو جاهز للانقضاض على الأمريكيين في سوريا وعلى الأتراك وعلى كل إرهابي، فالحرب في سوريا يبدو أنها لم تنته بعد وسيستمر الجيش السوري في تحرير أرضه إلى آخر نقطة من أراضيه وسوف يطرد ويطارد الإرهابيين الذين دخلوا الأراضي السورية عبر تركيا التي تتلظى بنارهم اليوم، ولن يسمح لأي من هؤلاء أن يطأ أرضها من جديد، تلك هي استراتيجية الجيش العربي السوري اليوم التي عمل عليها بدعم كبير من روسيا وإيران وحزب الله، ولن يوقف في وجه هذا الزحف أحد لأنهم أصحاب حق ويمثلون المقاومة في المنطقة التي تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى من يقف في وجه الامبريالية والصهيونية المقيتة.
أما العرب فهم يعيشون في وهم كبير، والقمة العربية التي عقدت في الظهران لا تخرج بشيء من القرارات الحاسمة، فكل الرؤساء الذين هرولوا نحو الظهران يعلمون جيدا نتائجها مسبقا ولن تقف السعودية إلى جانب أي شعب عربي رغم الإعلان الصوري عن ذلك، وستبقى أمريكا تحلب السعودية إلى ما لا نهاية، وستخترع أمريكا وإسرائيل خدعا جديدة لتوريط الدول العربية وستبقى الدول العربية في حيص بيص كما يقال لا هي حرة أبيّة ولا هي تسلم من أخواتها اللائي يكدن لها كيدا بالتعاون مع العدو الصهيوني والاستعمار الأمريكي.
يا قمة سخر منها العرب قبل العجم، أموال تُصرف في السفرات على حساب شعوب تأبى أن يجتمعوا، فكلما اجتمعوا ازدادت خلافاتهم وتعّمقت مشاكلهم، ورُفعت حصانتهم، وصاروا مهددين من قِبل من ظنوا أنهم أسياد العالم، على الشعوب العربية أن تنتفض من المحيط إلى الخليج لتعلن رفضها الواضح لكل أشكال الاستعمار الجديد وكفانا إذلالا وخنوعا طوال قرون من الزمان فهل سيأتي من يُخرج العرب من محنتهم ويعلّمهم معنى العزة والكرامة في قممهم؟
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/04/17