الصيانة والنظافة في المدارس التعليمية
سطام المقرن
من الضروري النظر في العقود الحالية للصيانة والنظافة الخاصة بالمدارس التعليمية، والنظر في التحول إلى نظام عقود الأداء من خلال احتساب التكاليف الفعلية للعقود وفقاً للأسعار السائدة.
بدأت مشاكل الصيانة والنظافة تظهر في المدارس التعليمية خاصة بعد ظهور حالات مرض الجرب في بعضها، حيث كشفت وزارة التعليم عن تخصيص أكثر من مليار ريال في ميزانيتها للصيانة والنظافة في المدارس، مؤكدة أنها تتابع تداعيات حملتها ضد انتشار «الجرب» في الميدان التعليمي، والحد من تفشيه بين طلابها وطالباتها.
مشكلة الصيانة والنظافة في المدارس ليست جديدة، وهذه المشكلة تعتبر أحد أسباب انتشار داء الجرب بين الطلاب والطالبات، فكما هو معلوم طبياً فإن أي مرض ينتشر في الأماكن المزدحمة وغير النظيفة، والعديد من المدارس تشتكي من ضعف الصيانة والنظافة فيها، ووزارة التعليم كغيرها من الجهات الحكومية الأخرى تعاني من هذه الإشكالية، بالرغم من تخصيص المليارات من الريالات لعقود الصيانة والنظافة، والسؤال المطروح هنا: أين الخلل في هذه العقود؟.
من أبرز الملاحظات التي تتعلق بالصيانة والنظافة في المدارس: تهالك بعض المباني المدرسية وخاصةً المباني المستأجرة، وتدني مستوى الصيانة والنظافة بشكل عام، الذي ترتب عليه طفح مياه الصرف الصحي، وتسرّب المياه في الفصول والإدارات، وانتشار البكتيريا والجراثيم، وضعف وحدات التكييف، ووجود أسلاك كهربائية مكشوفة، مما يشكل خطراً على أمن وسلامة الطلاب والطالبات.
وفي ضوء الملاحظات السابقة فإن المبررات لا تخرج عن قدم مبنى المدرسة وانتهاء عمره الافتراضي، بالإضافة إلى سوء أداء شركات الصيانة والنظافة وعدم التزامها بتنفيذ شروط ومواصفات العقد، وضعف المخصصات المالية لمثل هذه العقود، ناهيك عن إلزام مدارس التشغيل الذاتي بعمليات الصيانة والنظافة، وتحديد ألف ريال شهريا لكل عامل نظافة بمقدار عاملين لكل مبنى مدرسي، وتقليص عمليات رش المبيدات الحشرية داخل المباني بواقع مرتين في العام كاملاً.
وعلى هذا الأساس قد يقول قائل: «إن مشكلة عقود الصيانة والنظافة تكمن في صياغة العقود نفسها من حيث الشروط والمواصفات، فضلاً عن صرامة القوانين والبيروقراطيات الحكومية، لذا يتم استغلال بعض الثغرات للتخفيف من وطأة الأنظمة والتعليمات» !.
القول السابق قد لا يخلو من وجاهة منطقية، إلا أنه مثل اللعب بالنار الذي يحرق الجميع، فلا أحد ينكر أن بعض الجهات الحكومية تعاني أشد العناء من سوء الصيانة والنظافة، وتتوالى الضغوط على الإدارات المشرفة لكتابة تقارير جيدة عن أداء المقاولين رغم سوء التنفيذ، وذلك بحجة صرف المستحقات المالية لما تقتضيه المصلحة العامة وحتى لا يتعطل العمل بشكل كلي.
وما يحصل في واقع تنفيذ عقود الصيانة والنظافة هو في الحقيقة تلاعب وسوء إدارة بكل ما تعنيه الكلمة، وذلك لأسباب عديدة قد يكون أحدها هو تركز التكاليف المالية لمثل هذه العقود في بند العمالة، حيث تشكل ما نسبته (70 %) تقريباً من التكاليف الإجمالية، وباقي التكاليف تتوزع على البنود الأخرى، مثل قطع الغيار والمواد الاستهلاكية، وهنا ينشأ التلاعب، وذلك لأن المقاول يحرص على تحقيق أكبر قدر ممكن من الربح، إما من خلال تقليل التكاليف على حساب الجودة، أو استغلال العمالة في أعمال غير مشروعة.
وهناك نوعان من التلاعب: الأول تلاعب ظاهر، وهو معروف للجميع وينظر إليه على أنه عرف بيروقراطي ومن أشكاله، ما يلي:
- استخدام قطع غيار مقلدة وغير أصلية، ومستهلكات رديئة الصنع.
- مسيرات الرواتب لا تمثل المدفوعات الحقيقية للعمال بالرغم من توقيعهم على الاستلام في هذه المسيرات.
أما النوع الثاني من التلاعب فهو تلاعب خفي يتمثل في الآتي:
- استغلال تأشيرات الاستقدام في البيع والمتاجرة بها، واستغلال تسهيلات نقل الكفالة بأخذ مبالغ مالية من العمالة.
- دخول شركات ومؤسسات غير مصنفة في نشاط الصيانة والنظافة، وذلك عن طريق اتفاقيات التضامن، والتي تكون في بعض الأحيان مزورة أو تكون شكلية مقابل نسبة مالية من قيمة العقد، وفي الغالب يتم التنصل من هذه الاتفاقيات من قبل الشركات المصنفة.
هذا باختصار شديد ما يحدث في عقود الصيانة والنظافة، ناهيك عن سوء الإدارة والمتابعة من قبل الإدارة، مثل ضياع مخططات المباني وتجزئة المشاريع للدخول في الشراء المباشر والتلاعب في المواصفات الفنية للعقود.
وعلى أية حال، من الضروري النظر في العقود الحالية للصيانة والنظافة الخاصة بالمدارس التعليمية، والنظر في التحول إلى نظام عقود الأداء من خلال احتساب التكاليف الفعلية للعقود وفقاً للأسعار السائدة، مع إضافة هامش ربح معقول. وعلى هذا الأساس يكون التنافس بين الشركات والمؤسسات، مع الأخذ في الاعتبار التركيز على الثغرات التي يستطيع استغلالها المتلاعبون في مثل هذه العقود، مثل عقود الباطن واتفاقيات التضامن والضمانات المالية والمتاجرة بالتأشيرات، مع تطبيق المادة (77) من نظام المنافسات والمشتريات الحكومية التي تنص على أنه: «يجب على المتعاقدين والجهات الحكومية تنفيذ عقودهم وفقاً لشروطها، وبحسن نية وبما يقتضيه حسن سير المرفق العام ومصلحته. وعلى الوزارات والمصالح الحكومية إبلاغ وزارة المالية بحالات الغش والتحايل والتلاعب فور اكتشافها، وكذلك تزويدها بالقرارات التي تتخذ بهذا الخصوص، بما في ذلك قرارات سحب العمل»، وقرارات السحب إما أن تكون تنفيذاً عل حساب المتعاقد وإما فسخاً للعقد.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2018/04/19