آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. سعيد الشهابي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

شجب السياسات الإسرائيلية ليس معاداة للسامية


د. سعيد الشهابي

ليس من الأخلاق أو القيم ازدراء الآخرين، أيا كان رأيهم السياسي أو معتقدهم الديني أو أصلهم. فالتعددية تضفي جمالا على الحياة وثراء في الفكر والثقافة. والبلد الذي تتعدد أجناسه وأديانه وثقافاته يستطيع المساهمة بسخاء في تطوير المسار الإنساني. ولذلك وجدت منظمات دولية عديدة للاهتمام بتشجيع التنوع وحماية التراث الإنساني. ومنظمة اليونيسكو تقوم بدور ايجابي في هذا المجال، واهتمامها بالتراث والآثار موضع تقدير كبير. كما أن استهداف ثقافات الآخرين وتراثهم سلوك غير محمود. ولذلك يمكن اعتبار مبدأ التوازن بين البشر من بين عوامل الحماية المشتركة.

وقد نص القرآن الكريم على دور التنوع في حماية حقوق الآخرين ومعتقداتهم وتراثهم «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيه اسم الله كثيرا». كما أن ازدراء الأديان ممارسة سلبية يجب مقاومتها لكي لا تدمر السلم الاجتماعي والعلاقات بين البشر. وبرغم التعرض للإسلام في الإعلام الغربي الذي تجسده ظاهرة «الإسلاموفوبيا» إلا أن العلماء المسلمين لا يجيزون ازدراء الآخرين أو استهداف معتقداتهم. وبرغم فظاعة احتلال فلسطين قبل سبعين عاما، إلا أن هناك تمييزا واضحا بين الجانبين السياسي والديني لقوات الاحتلال. فقد وقف العرب والمسلمون، مدعومين بالقوى التحررية في العالم، ضد الاحتلال، ولكنهم لم يستهدفوا الديانة اليهودية، حتى لو استعملها المحتلون لتبرير ما يفعلونه. وعلى العكس من ذلك فأن مقدسات الدين اليهودي محترمة لدى المسلمين، والنبي موسى عليه السلام يعتبر من الأنبياء الخمسة الذين يطلق القرآن الكريم تسمية «أولو العزم» وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد. ومن الخطأ الكبير الخلط بين الموقفين السياسي والديني. بمعنى أنه في الوقت الذي يرفض العرب والمسلمون فيه السياسات الإسرائيلية في مجالات الاحتلال والتوسع وحقوق الإنسان، فأنهم لا يتعرضون للديانة اليهودية بشيء، ولا مجال لاستهداف الجنس اليهودي بما هو قومية أو نوع بشري. ولا يجوز علماء المسلمين استهداف أتباع الأديان الأخرى بالأذى أو القتل. فالقتل على الهوية جرم كبير. بالإضافة لذلك يعتبر العرب من الجنس السامي، فهم ينتمون كاليهود إلى سام بن عاد. ومعاداة السامية تعني أيضا معاداة للعرب كما هي معاداة لليهود. ولكن الواضح أن استهداف العرب لا يصنف ضمن «معاداة السامية» التي تعتبر في الغرب جريمة، ويندر أن يتعرض من يمارسها للحساب أو العقاب.

هذه الحقيقة يجب أن لا تلغي الحق في النقاش السياسي حول سياسات الاحتلال الإسرائيلية في أرض فلسطين. ولا بد من التمييز بين معاداة السامية ورفض السياسات الإسرائيلية. ويرى البعض أن ما يجري من سجالات لا تنتهي في الإعلام البريطاني إنما هو محاولة للتأثير على السياسات الغربية إزاء «إسرائيل»، ولا يرتبط حقا بمعاداة السامية. فمن الضرورة اعتبار التعدي على كنيس يهودي أو ازدراء الديانة اليهودية أو استهداف حاخام يهودي بالأذى بسب زيه مثلا أو أطروحاته الدينية جريمة، ولكن ليس مقبولا أن يعتبر شجب السياسات الإسرائيلية أو الدعوة لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية أو استمرار احتلال الإراضي الفلسطينية جريمة. والواضح أن هذا هو الهدف من وراء إثارة قضية «معاداة السامية» وتوسيعها لتشمل السياسيين والنشطاء المعروفين بدعمهم للقضية الفلسطينية. ولا يمكن فصل استهداف رئيس حزب العمال الحالي، جيريمي كوربين، ومناصريه عن مواقفهم الماضية والحاضرة إزاء تلك القضية. كما أن الاستهداف المتكرر للسياسيين المخضرمين مثل كين ليفينغستون ينضوي ضمن محاولات منع شجب السياسات الإسرائيلية. وكثيرا ما تم التطرق لتنامي ظاهرة «معادة السامية» في أوروبا. وقد يكون ذلك صحيحا في بعض الجوانب، ولكنها تنطلق في الأعم الأغلب من محاولات السعي للتأثير على المواقف السياسية ووقف الشجب المتواصل للسياسات الإسرائيلية التي تزداد تطرفا خصوصا مع حالة الخنوع المتنامية من بعض الأنظمة العربية التي تهرع للتطبيع مع قوات الاحتلال.

ويوما بعد آخر تضيق أطر النقاش في هذا المجال لأن الصهيونية استطاعت التأثير على التغلغل في الأوساط السياسية والإعلامية الغربية، فأصبح أصحابها يحاولون المساواة بين رفض الصهيونية ومعاداة السامية. وهذا يؤكد تصاعد نشاط المجموعات الصهيونية وقدرتها على التأثير والنفوذ في الأوساط العالمية. ولا بد من العودة قليلا إلى الوراء. ففي العام 1975 أقرت الأمم المتحدة القانون رقم 3379 الذي يقول أن «الصهيونية أحد أشكال العنصرية والتمييز العنصري».

وكان ذلك تعبيرا عن الحجم الواسع للدول والمنظمات الدولية الداعمة للقضية الفلسطينية والرافضة للاحتلال الإسرائيلي خصوصا في ربع القرن الذي أعقب تأسيس الكيان الإسرائيلي في 1948. ولكن بعد حرب 1973 الذي نجم عنه خروج مصر من دائرة الصراع مع «إسرائيل» وأدى لاحقا إلى اتفاقية كامب ديفيد، برزت ظاهرتان: تراجع الموقف العربي بشكل تدريجي بغياب مصر عن ساحة الصراع، وتعمق التحالف بين أمريكا و «إسرائيل» وانعكاس ذلك على أجواء الأمم المتحدة. كما أن خطاب الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في الجلسة العمومية للأمم المتحدة في 1974 الذي رفع فيه غصن الزيتون، كان له دوره في تداعي الموقف الدولي الداعم لقضيته. وفي موازاة ذلك تصاعد النشاط الدبلوماسي الإسرائيلي خصوصا في العالم الثالث وأدى إلى مد الجسور مع دول كانت في فلك منظمة عدم الانحياز. واستطاع اللوبي الغربي في 1991 إلغاء ذلك القانون من قبل الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وذلك بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وشعور الغرب بالهيمنة على شؤون العالم، وتراجع القوى التقدمية على نطاق واسع. ولم يتوقف التداعي عند ذلك الحد بل تواصل في العقود اللاحقة حتى بلغ الأمر أن تتبنى دول عربية عديدة مواقف غير ودية مع الفلسطينيين وأكثر تقاربا مع «إسرائيل». وهذه الظاهرة في تصاعد لتصل إلى ما لم يكن في الحسبان سابقا، فتفتح دول عربية أجواءها لتحليق الطائرات المتوجهة إلى تل أبيب. هذا التداعي هو الذي شجع العالم على استصغار شأن العالم العربي، وساهم في منع أي إجراء ضد أي عدوان إسرائيلي على الدول العربية. فبرغم تقرير الأمم المتحدة الذي أدان «إسرائيل» بمجزرة قانا في 1996 إلا أن الولايات المتحدة أجهضت بالفيتو مشروع قانون أعده مجلس الأمن يدينها بشكل واضح. وكانت القوات الإسرائيلية قد قتلت أكثر من مائة من النساء والأطفال الذين لجأوا إلى مقر قوات الأمم المتحدة بقرية قانا القريبة من مدينة صور في مجزرة مروعة هزت مشاعر أصحاب الضمائر.

وثمة من يقول أن أثارة مسألة معاداة السامية محاولة جديدة لردع من يستهدف السياسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وإقامة «قبة صاروخية» تحمي سمعة الكيان الإسرائيلي وتسقط من يسعى لاختراقها، كما يحدث مع رواية «المحرقة» التي حدثت لليهود في الحرب العالمية الثانية. ومن المؤكد أن المحرقة حدثت، وهي جريمة إنسانية لا يمكن التقليل منها. وبدلا من إنكارها كان بإمكان المفكرين والسياسيين العرب والمسلمين إثارتها على أعلى المستويات لأسباب عديدة: أولها أنها جريمة ضد الإنسانية، إذ لا يجوز قتل البشر بسبب عرقهم أو انتمائهم أيا كان، ثانيها أنها جريمة ارتكبها الغربيون بحق اليهود وليس للعرب أو المسلمين دور فيها، وبالتالي فهي لا تدينهم أبدا. ثالثا: أن الغربيين ارتكبوها ثم سعوا للتكفير عنها بمنح الضحايا وطنا في فلسطين. بينما كان المطلوب منهم إعادة تأهيل ضحايا النازية وتعويضهم مما يملكه الغربيون أنفسهم.

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2018/04/30

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد