السجن الانفرادي... أبشع جرائم البشر
قاسم حسين
نشر الرئيس الأميركي باراك أوباما مقالاً في صحيفة «واشنطن بوست» أمس (الثلثاء) تحدّث فيه عن السجن، والسجن الانفرادي تحديداً، باعتباره «إهانةً لإنسانيتنا المشتركة».
لم يكتب أوباما المقال لأنه تعرّض أو أحد أفراد عائلته أو مدينته، إلى السجن بسبب جنائي أو سياسي، وإنّما كتبه تعليقاً على مأساة الشاب الأميركي كاليف برودر (16 عاماً)، الذي ألقي القبض عليه بتهمة سرقة حقيبة تحمل على الظهر في 2010. وقضى برودر عامين في الحبس الانفرادي، بينما كان ينتظر محاكمة لم تنعقد بعد.
الشاب المتهم بالسرقة، تم إطلاق سراحه، لكن حياته «كانت صراعاً دائماً للتعافي من الصدمة التي عاشها بسبب حبسه منفرداً لمدة 23 ساعة يومياً»، حسبما كتب أوباما. وأضاف «لقد انتحر يوم السبت الماضي في منزله وهو في سن الثانية والعشرين».
أوباما أعلن عما يبذله من جهود الآن، لتقليص استخدام الحبس الانفرادي، وبدأ بحظر استخدامه مع الأحداث في نظام السجون الاتحادية، حيث سيتم تطبيق الحظر على الأحداث الذين ارتكبوا مخالفات غير جسيمة.
في تفاصيل الخبر الذي أوردته وكالة (د ب أ) أمس من واشنطن، هناك نحو 100 ألف شخص قيد الحبس الانفرادي في السجون الأميركية، باعتراف البيت الأبيض، وهو ما يدين هذه الدولة الديمقراطية «العريقة»، ذات النزعة المكارثية «العميقة».
وهناك ما يقرب من 25 ألف سجين (غير سياسي طبعاً كما في بلداننا العربية)، يقضون شهوراً أو حتى أعواماً وحدهم في زنزانة صغيرة للغاية، دون تواصلٍ مع أيٍّ من البشر تقريباً. وهي عمليةٌ لا يمكن وصفها إلا بأنها جريمةٌ ضد البشرية، حيث تُسحق روح الإنسان ويقتل ببطء وهو حيّ، لتُفرض عليه حياةٌ أشبه بالعيش داخل قبر.
هذه الجريمة البشعة، التي ترتكبها أغلب دول العالم في سجونها، وبأغطية قانونية مشرّعة، تتسبّب في أمراض نفسية وجسدية، وتترك آثارها القاتلة للروح، حتّى لو كانت فترة الإقامة بالزنزانة قصيرةً جداً. وهي تقوم على فلسفة شوفينية، تتلذّذ بإيقاع أكبر قدرٍ من الألم بالكائن البشري وتعذيبه لأطول فترة ممكنة. ومها تكن الجريمة التي ارتكبها، فإنها لا تبرّر سحق روحه وقتله بهذه الطريقة البطيئة. فالمتهم بعد انتهاء التحقيق وصدور الحكم، يفترض أن ينقل إلى السجن لقضاء فترة محكوميته، لا أن يستمر تعذيبه بمثل هذه الحياة البائسة التي تخنق الروح.
الولايات المتحدة الأميركية، بلد جورج واشنطن وبنيامين فرانكلين ومارتن لوثركنغ، كانت بحاجةٍ إلى انتحار شابٍ في عمر الزهور، بعد أن خرج من المعتقل وهو يحمل معه عذابات السجن الانفرادي. وأمام هذه الفاجعة، أصدر أوباما أمراً بعلاج المختلين عقلياً من ضحايا نظام الحبس الانفرادي، وزيادة المدة التي يقضونها خارج زنزاناتهم، وذلك إلى جانب حظر تطبيق تلك العقوبة على الأحداث. وكتب قائلاً: «إن هذا الأمر سينطبق على نحو 10 آلاف سجين اتحادي يقضون عقوباتهم في الحبس الانفرادي حالياً».
من المؤكد أنها حلولٌ ترقيعيةٌ، وخصوصاً أنها تحدّد العقوبة بـ60 يوماً فقط، بدل 365 يوماً كما هو الحال حالياً. وهي لا تعالج اختلال نظام العدالة، ولا الخلل في القوانين، أو الهمجية في الإجراءات التي تحكم عالم السجون، في عالم متوحش تكثر ضحاياه كل يوم. ومع التسليم بخطورة بعض السجناء من مرتكبي الجرائم الكبرى، إلا أن سرقة حقيبة، مهما كانت محتوياتها، لا تبرّر عقوبةً تنتهي بالمتهم إلى الانتحار.
الحبس الانفرادي «جريمةٌ ضد البشرية» بمعنى الكلمة؛ لأن فيها إذلالاً وسحقاً لروح الإنسان، وعلّق أحد قراء الـ «واشنطن بوست» قائلاً: «إنه عملٌ لا تقبل فعله حتى لكلبك». فكيف تقبل به أنظمة وإدارات السجون عبر العالم؟
الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/01/27