آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
علي محسن حميد
عن الكاتب :
سفير يمني وكاتب وناشط معارض

بوتين ضد تحريف تاريخ الحرب العالمية الثانية لكن دعوته لنتنياهو لوثت تاريخها


علي محسن حميد

شاهدنا صباح أمس  التاسع من مايو في الميدان الأحمر بموسكو عرضا عسكريا مهيبا للقوات وللأسلحة االسوفيتية بمناسبة مرور 73 عاما على انتهاء الحرب العالمية الثانية 1939 – 1945  التي كان الدور السوفيتي بتضحياته البشرية التي بلغت 27 مليونا من البشر هو الأهم  ناهيكم عن حجم الدمار الذي حل بمدن سوفيتية كاملة. الروس يعرفون نتائج كوارث الحروب أكثر من الامريكيين الذين يمتلكون ميزة خوض الحروب وهم في أمان لأن بلدهم بعيدة عن ميادينها.

في هذا الاحتفال تواجد بنيامين نتنياهو رئيس وزراء دولة الاستيطان الذي أنشئت دولته المغتصبة لفلسطين بعد ثلاث سنوات كاملة من انتهاء الحرب العالمية الثانية. بعض نتائج تلك الحرب دفع ثمنها  الفلسطينيون وليس الأوربيون الذين مارسوا طول تاريخهم  سياسة عداء للسامية  توجت بمحرقة نازية أوروبية. كانت العدالة  تقضي بحل المشكلة  اليهودية في بيئاتها وليس خارجها ولكن الغلبة بغض النظر عن معايير العدالة وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها  كانت للحسابات الاستراتيجية الاستعمارية. قبل الحرب العالمية الأولى  تسابقت المانيا، 1915وأمريكا، أكتوبر1917، وبريطانيا نوفمبر  1917على منح اليهود وعدا باستيطان فلسطين ولم تمانع روسيا القيصرية  في السماح بهجرة يهودها شريطة أن لا يكونوا من الكفاءات العلمية والمهنية. مشاركة نتناياهو في مناسبة لا يؤمن بنبل تضحيات رجالها ونسائها  وبسمو أهدافها إهانة لكل من ضحى وفقد عزيزا في تلك الحرب وصدمة لكل فلسطيني ولمعظم العرب وليس كلهم بعد صدمة المشاركة الرياضية  العربية في القدس التي انسحبت منها بعض الدول الأوربية  ولم تتمكن رائحتها الكريهة  من اختراق بيوت القش العربية والإسلامية.

التفسير المقبول  لمشاركة رئيس وزراء دولة الاستيطان هو أن إسرائيل ديمغرافيا كيان روسي وأن إسرائيل دعيت لأن معظم سكانها مهاجرين روس لأنهم من بدأوا الاستيطان في فلسطين عام 1882 أثناء  الخلافة الإسلامية العثمانية وتحت سمعها وبصرها وهي التي لم ترفض استقبال مؤسس الحركة الصهيونية هرتزل عام 1898  في عاصمتها بعد المؤتمر الصهيوني الأول بعام فقط ومنحته وسام الصدر الأعظم. تواصل الاستيطان تحت الانتداب البريطاني 1921 الذي كان انتدابا لتطبيق وعد بلفور بإقامة ”وطن يهودي” في فلسطين بتسهيل الهجرة  اليهودية إليها والتخلص من يهود بريطانيا الذي صدر بشأنهم قانون عام 1905 سمي بقانون  الأجانب  Aliens Act  لمنع هجرتهم إلى بريطانيا إثر حملة ضدهم وصفت مناقبهم بأنها تطفح بالشرور. وافق على القانون عضوين يهوديين في البرلمان وهما بنجامين كوهين وإيفانز جوردون والأخير كان يرعاه اللورد روتشيلد. بعد تكاثر الهجرة اليهودية الروسية في فلسطين أنشئت عام 1909 مستوطنة  تل أبيب التي تطل على ميناء لتسهيل تهريب اليهود.

عاش المستوطنون الروس  منغلقين على أنفسهم لا يتفاعلون مع الفلسطينيين  ولا يتعاملون معهم  ويستعلون عليهم وشكلوا معازل/ جيتوهات  أشبه بالأوربية بها اكتفاء ذاتي تدريجي  زراعي ثم صناعي فخدمي فعسكري وكانوا  في نفس الوقت يتلقون بعد إنشاء الحركة الصهيونية عقب مؤتمر بازل 1997  دعم من الجاليات اليهودية وبالأخص من اليهود الروس في نيويورك  الذين تركوا روسيا القيصرية هربا من الاضطهاد والمذابح.

استوطن اليهود الروس في  فلسطين حاملين معهم لغتهم التي كانت لغة دولة إسرائيل لعامين بعد إنشائها و ثقافة كراهية حادة للغير نتيجة لما عانوه في روسيا لأن المجتمعات الأوربية بدون استثناء ومنها اليهود الاشكناز كانت في غالبيتها موبوءة بثقافة عنصرية  استعلائية واستعمارية. مثلا عندما ثار الهنود ضد الاستعمار البريطاني عام 1857 لم يصدق البريطانيون ماحدث واعتبروه جريمة كبرى في حق إمبراطورتيهم وأسوأ نكران لجميل حضارتهم. اليوم التاريخ يعيد نفسه في فلسطين. كان للاستعمار- الغزو- الاستيطان – للشعوب الأخرى دور تثبيت  وعي مشوه بأن هذه الشعوب في مستوى أدنى  ومن هذا الوعاء غرفت الصهيونية بوجهها الاشكنازي الروسي. الصهاينة الروس هم الذين قالوا بأن فلسطين أرضا بدون شعب ومنهم  أتى معظم القادة المؤسسين لإسرائيل.
لقد كانت الحرب العالمية الثانية  حربا ضد نظام نازي عنصري خاض حروبا للتوسع  ولنشر ايديولوجية قائمة على التفوق العرقي والحط من الآخر. والصهيونية  هي الطبعة الأسوأ لنظام الابارتهايد العنصري في جنوب افريقيا كما يقول الزعيم الجنوب افريقي ديزموند توتو ولم تكن مساواة الأمم المتحدة  لها بالعنصرية عام 1975. الحرب العالمية الثانية كانت حربا من أجل الحرية  والمساواة ونتج عنها ميثاق الأمم المتحدة  ومواثيق  وعهود دولية عديدة أبرزها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر1948 بعد قيام إسرائيل بسبعة أشهر. إسرائيل  وقعت عليه وقبلت ما تضمنه عن حقوق متساوية للبشر بغض النظر عن عرقهم أو دينهم أولونهم أو جنسهم وعلى حق العودة إلى الوطن الأم لكل من يترك وطنه ولكن.. ما الذي أتى بزعيم الاستيطان والترانسفير وهدم البيوت وقلع أشجار الزيتون وسجن الحدث عهد التميمي  وعشرات غيرها وقتل المتظاهرين المدنيين وحصار قطاع غزة  والغارات المتواصلة على سوريا حليف روسيا  إلى موسكو، إلى الميدان الأحمر، وإلى هذه المناسبة بالذات. هل يراهن بوتين  وهو رئيس دولة عظمى كما يراهن غيره من الضعاف على أن مفتاح قلب واشنطن  بيد إسرائيل؟

لقد لوث نتنياهو المناسبة الجليلة والميدان وسمح له بوتين بأن يظهر وكأنه رفيق سلاح وأن دولته  أسهمت في النصر عام 1945. لقد كان إسهام الهنود والمغاربة والسنغاليين وغيرهم وحتى الدواب والبغال والجمال  أكبر من إسهام الفيلق اليهودي الذي حارب مع القوات البريطانية لهدف واحد فقط وهو أن تقتنع بريطانيا أكثر بفتح أبواب الهجرة لليهود إلى فلسطين بعد تذبذب موقفها بعد ثورة 1936-1939.

بوتين طعن التاريخ عمليا وحرفه علنيا  بدعوته رئيس وزراء عنصري ينكر حق الفلسطينيين في وطنهم  وهو الذي قال بأنه لن يقبل تحريف التاريخ  من قبل حلفاء الاتحاد السوفيتي في النصر على النازية الذين يحاولون اليوم  في إطار حرب  باردة جديدة ضد روسيا أن يقللوا من الدور السوفيتي ومن تضحيات  شعوب روسيا ومن بينها مسلميها  في تحقيق النصر على النازية .بوتين قال أيضا بأنه لن يسمح بكتابة تاريخ جديد للحرب العالمية الثانية ولكن وجود نتنياهو في الميدان الأحمر يلطخ التاريخ ويعيد كتابته  مشوها و لا يحرفه فقط وبمساعدتكم يا سيد بوتين.

سفير سابق للجامعة العربية في الهند وبريطانيا

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/05/11

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد