نتنياهو و”الدول العربية المعتدلة”
منير شفيق
في 22/1/2006، ومن منبر دافوس في سويسرا، وفي مقابلة مع شبكة سي.إن.إن الإخبارية الأمريكية، تحدث نتنياهو عن علاقاته العربية قائلا إن الدول العربية المعتدلة “تواجه التهديد نفسه (يقصد الذي تواجهه “إسرائيل”) المتمثل بإيران وداعش”. وأكد على تطوّر العلاقات التحالفية مع دول الاعتدال العربي، كما نقلته الصحافة والأقنية الفضائية. وقد قال: “ثمة تغيير دراماتيكي في العلاقات الخارجية لإسرائيل في المدّة الأخيرة، بينها وبين جيرانها العرب الذين يرون في إسرائيل حليفا وليس تهديدا”. وبهذا ما زال نتنياهو يلحّ على وجود تلك الدول، منذ عدوانه على قطاع غزة، وفي أثنائه من دون أن يفصح عن الأسماء المقصودة.
والأغرب الأعجب أن نتنياهو طالب مسؤولين في الاتحاد الأوروبي أن يظهروا لإسرائيل الفهم نفسه الذي يُظهره لها جيرانها العرب الذين كانوا هم الأعداء التقليديين للدولة اليهودية”. وأضاف قائلا: لديّ طلب واحد هو أن تعكس سياسة الاتحاد الأوروبي حيال إسرائيل والفلسطينيين السياسة العربية السائدة تجاه إسرائيل والفلسطينيين”.
وكان محور تشديده على أن الخطر الأكبر “على العالم الحر يتمثل في إيران وداعش”.
هذا يعني أن دول النظام العربي التي يقصدها نتنياهو وقد انتقلت إلى مستوى اعتبار الكيان الصهيوني حليفا لها ضدّ إيران وداعش، سوف تدخل، إذا صحّ ما يقوله، في مرحلة السقوط والكارثة. ويكفي أن يطلب من الاتحاد الأوروبي أن يقتدي بها في علاقته بكل من “إسرائيل” والفلسطينيين. (وبالفلسطينيين أيضا) دليلا على أنها آيلة إلى الانهيار لا محالة. وذلك حين يصبح الموقف من الفلسطينيين والقضية الفلسطينية كما يُريد نتنياهو ويُرضيه.
وكان المدير العام لوزارة الخارجية الصهيونية دوري غولد قد ألمحَ إلى حدوث “انفتاح في العالم العربي نحو العلاقات مع إسرائيل”.
هذه التصريحات إذا صحّت تعني أن ثمة كارثة تنتظر الوضع العربي ككل، وعلى مستوى الدول المعنية كلا على حدة. وذلك لأن جماهير الأمّة لا تستطيع أن تحتمل الوصول إلى حدّ التحالف مع العدو الصهيوني المُغتَصِب لفلسطين والقدس والساعي لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم مكانه. وكذلك الأمر بالنسبة إلى جماهير أيّ قطر تذهب دولته هذا المذهب.
لقد كانت الأمة تغضب أشدّ الغضب من كل نظام أو قيادة عربية من المحيط إلى الخليج لمجرّد التقصير في موضوع القضية الفلسطينية، أو الموقف في مواجهة العدو الصهيوني وقتاله. وكان هذا الغضب يشتدّ ويتسّع إذا ما تطوّر التقصير إلى تقاعس، أو مهادنة، أو عقد اتفاقية تتضمن الاعتراف به. ولم تصل إلى حدّ التحالف، أو حتى التواطؤ. فكيف إذا ما وصلت الأمور إلى الحدّ الذي وصفه نتنياهو في تصريحاته في دافوس.
هنا يكون السيل قد بلغ الزُّبى، وخرج عن كل معقول، أو احتمال، أو تفهّم حتى من قِبَل أكثر الذين تساهَلوا واستعدّوا لتقديم التنازلات وهربوا من المواجهة. فالأمر حين يصل إلى التحالف مع العدو الصهيوني وضدّ الشعب الفلسطيني، كما عبّر نتنياهو عن ذلك حين طالب دول الاتحاد الأوروبي أن تحذو حَذْوَ تلك الدول العربية إزاء الموقف من دولة الكيان الصهيوني والفلسطينيين. أي تكون قد وصلت ضدّ الفلسطينيين إلى حدّ يُرضي نتنياهو، ويتخطى الموقف الأوروبي بالرغم من تواطؤ دوله مع الكيان الصهيوني تاريخيا، ولكنها الآن راحت تعترض على إيغال نتنياهو في الاستيطان وتهويد القدس والاعتداء على المسجد الأقصى والمقدسّات الإسلامية والمسيحية. أي الدول التي أقامت دولة الكيان لم تَعُد تحتمل كل هذا القدر من سياسات نتنياهو.
أما الأغرب في هذه السياسات التي أخذت بعض الحكومات العربية تتبنّاها، إذا صحّ ما أعلنه نتنياهو عن تطوّر علاقات تحالفية بينها وبينه، فكوْنها جاءت في مرحلة وصل فيها محمود عباس حدّ اليأس من المفاوضات مع نتنياهو، أو التوصّل إلى إقامة دولة فلسطينية، كما جاءت في ظرف ضجّت فيه أمريكا وأوروبا من التفاهم مع نتنياهو على المفاوضات والتسوية وموقفه من الاستيطان وتهويد القدس والاعتداء على المسجد الأقصى. وبهذا تكون تلك الحكومات قد ذهبت شططا، وجعلت أمرها فرطا.
ولكن أغرب من هذا الأغرب أن هذه الحكومات العربية التي جاءت لتتحالف مع الكيان الصهيوني وطلب نصرته إن صحّ هذا الهَوْل، لم تلحظ أنه دخل مرحلة الضعف والتدهور ولم يعد بمقدوره أن يُخيفَ شباب الانتفاضة فكيف بقطاع غزة والمقاومة في لبنان. ومن ثم فإن التوجّه إلى المراهنة عليه، فضلا عن كونها أصلا من المحرّمات وطنيا وعروبة ودينا وأخلاقا وسياسة وطعنا لفلسطين والقدس والأقصى في الظهر، فهو رهان خاسر لا يزيد من يقترب منه إلاّ خُسْرانا. ومن ثم فهذا رهان حماقة فضلا عن إثمه الكبير. وهذان إذا ما اجتمعا لحقت الكوارث في الوضع العربي بعامّة، وفي دولة كل بلد دخل هذا الرهان.
أما ثالثة الأثافي في الغرابة فهي انطباق ثلاثة أمثال على من يبحث عن تحالف، في هذه المرحلة، مع العدو الصهيوني: الأول: “مثل الذاهب إلى الحج والناس راجعة منه” (حالة أمريكا وأوروبا). والثاني وهو مثل فلسطيني: “مِثل مْصَيِّف الغور” (الغور مشتى وصيفه لاهب). والثالث: كحافِرِ قبرِه بظلفِه” أي بيدِه لأن المتحالف مع نتنياهو ذاهب إلى الانتحار. فليس لدى نتنياهو ما يقدّمه بعد أن أفلس، غير غضب الأمّة ولعنة الله على من يفعلها.
رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/01/30