شهداء باختيار الله
عبدالمحسن يوسف جمال
قال سبحانه: «إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ» (آل عمران: ١٤٠).
ما بين الألم والفرح تمر الحياة وتستمر بوتيرتها المعهودة، فليس في هذه الحياة سرور دائم ولا ألم سرمدي، بل الأمر أمر بين أمرين.. وهذه الآية الكريمة تجسد هذا المعنى حتى في الصراع بين المؤمنين ومناوئيهم، حيث الطبيعة البشرية تصيب الأطراف كلها، فألم هنا وفرح هناك في يوم، وفرح هنا وألم هناك في يوم آخر، وهكذا تتقلب الدنيا دواليك.
لذا على أي طرف يريد أن يخوض صراعا مع الأخر المعادي وان كان مؤمنا أن يحذر تقلبات الأمور، لذا عليه الاستعداد لكل طارئ ومستجد ومنها احتمال تلقي الضربات الموجعة والهزائم في بعض المنعطفات.
وهذا الحذر يجعل الإنسان مستعدا لكل الأمور وحذرا من الإحباط أو الانهزام النفسي، لذا فأنه إذا علم أن ذلك بعين الله وتقديره، فعليه ان يحوّل هذه الصعوبات إلى تقوية لروحه وجسده واستعداداته المستقبلية.
فما مسه من ألم، هو ذاته الألم الذي مسّ الطرف الآخر وأكثر، وما خسره هنا خسره الطرف الآخر هناك، أما ضحاياه أن كانوا مؤمنين بحقهم ومدافعين صادقين عنه فهم شهداء، عليه أن يفتخر بهم ويعتز، وأن يحتفل بتوديعهم بكل تبجيل لنهم أدوا الأمانة بأفضل طريقة وهم اختيار الله سبحانه في أكرامهم بالشهادة.
والشهادة بالمفهوم الإنساني كله والإسلامي خاصة لها مرتبة العلو والشموخ، وهي مرتبة لا تعلوها مرتبة، ودرجة لا تفوقها درجة.
وعلى الإنسان أن يدرس بعد هذه الأمور أسباب ضعفه فيقويها، وعوامل تقهقره فيتلافاها، فالأمور المادية مهمة في الصراع بين الحق والباطل كما هي الأمور المعنوية.
وعلى الإنسان إلا يحوّل الحزن إلى يأس، والهزيمة إلى انكسار، والضعف إلى استسلام، بل هي حالات تمر بكل البشر أيّا كانت عقائدهم وأديانهم، لأنها أحد نواميس الحياة التي تمر على الجميع وتصيب الجميع.
فالأمة الواعية هي التي تستفيد من الدروس الصعبة وتحول هزائمها إلى انتصارات وذلك بسد الثغرات والنواقص وهو ديدن الأمم الحية في هذا العالم، والتاريخ خير شاهد لذلك، والله لا يحب الظالمين.
جريدة القبس الكويتية
أضيف بتاريخ :2018/06/06