خطورة ترامب على الديموقراطية الأميركية
د. جيمس زغبي
حين انتُخب دونالد ترامب خشيت وكثير من الأميركيين على مستقبل بلدنا من ولايته. والآن، وبعد عام ونصف العام من توليه منصبه، ثبت أن هناك ما يبرر مخاوفنا.
فقد عمد ترامب وفريقه إلى تفكيك إصلاح نظام الرعاية الصحي، وإزالة الحمايات البيئية الضرورية، والتخلّي عن الاتفاقات الدولية، ومفاقمة الفروق في الدخل، وتعريض التجمّعات الضعيفة للمخاطر.
وبالإضافة إلى هذه السياسات المثيرة للقلق، فقد ألحق ضرراً عميقاً في الحوار المدني والثقافة السياسية، ويشكل خطراً على ديموقراطيتنا. وهناك إشارات تنذر بالشؤم بأنه يأخذنا في مسار حكم دكتاتوري يصعب تعافينا منه.
فما هي هذه الإشارات؟ جمهور ناخبين مظلوم وساخط، وقائد كاريزمي قادر على استغلال هذا الاستياء بزعزعة الثقة في المؤسسات الديموقراطية وتفكيك النسيج الاجتماعي. هذه هي الدلائل الإرشادية على طريق الاستبداد، التي تصف مسار رئاسة ترامب.
ويمكن لرئيس جديد مع الكونغرس وقف بعض سياسات ترامب المدمرة بالسرعة التي نُفّذت بها. لكن الأضرار التي لحقت بثقافتنا ومؤسساتنا سيستغرق إصلاحها أجيالاً.
في وقت ما كنت أنصح الناس بعدم الالتفات الى تغريدات ترامب، أو الاستماع إلى التعليقات الكوميدية، التي يطلقها أحيانا على غرار ما يحدث في الملاهي الليلية. وكنت أظن انه يفعل ذلك لصرف الأنظار عن بعض سياساته المدمّرة. وكنت على حق جزئياً فقط، لأن تغريداته وخطاباته استهدفت أحياناً دسّ السموم كذلك.
وكمثال على ذلك، أطلق ترامب الأسبوع الماضي فقط، عدداً من التغريدات، التي هاجم فيها مجموعة متنوعة من «الأعداء» من وسائل إعلام، إلى وزارة العدل، ثم مكتب التحقيقات الفدرالي، إلى المحاكم، إلى الديموقراطيين، وبالطبع هيلاري كلينتون.
وفي حين إن كل هذا يمكن وصفه بالألاعيب السياسية، أو تعبيراً عن الاستياء والإحباط، إلا إنه في الواقع خطير جدا. فترامب، قبل كل شيء، هو الرئيس وتغريداته يقرأها الملايين، الذين تتضاعف أعدادهم عندما ترددها «فوكس نيوز» ومجموعة من المواقع الإلكترونية والبرامج الحوارية في الإذاعات. كل هذا مكّنه من إشاعة أجواء من عدم الثقة والسخط في أوساط مؤيديه، الذين يشعرون بالظلم.
والنقطة المركزية التي يستند إليها خطاب ترامب هي ذهنية «نحن وهُمْ»، بشكل يفتقر تماماً إلى الكياسة، ويُحدِث تآكلاً خطيراً في الثقة ببعض المؤسسات الأساسية في مجتمعنا.
في مقابلة كاشفة بشكل خاص قبل بضعة أشهر، أوضح ترامب أن السبب الذي جعله يركز على تشويه سمعة وسائل الإعلام والمؤسسات الأخرى، والتقليل من شأنها، هو حتى لا يصدقها أنصاره حين تحاول النيل منه.
ولم يكتف ترامب بذلك، بل استخدم تغريداته وخطاباته لتعزيز عدم الثقة بالمحاكم ووزارة العدل ومكتب التحقيقات الفدرالي، كما أنه استغل سخط مؤيديه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي بإلقاء اللوم على عدد من الأقليات العرقية والإثنية. وقد ساهم ذلك في تغذية العنصرية والكراهية للأجانب، وإضفاء الشرعية على مظاهر التعصب الأعمى.
ولعل من الأمثلة على تأثير هذه البيئة التي أوجدها ترامب، حدث هذا الأسبوع، عندما نشرت نجمة التلفزيون روزيان بار مجموعة من التغريدات العنصرية في وقت متأخر من إحدى الليالي. ووصفت في تغريدة فاضحة للغاية، مساعدة أوباما السابقة فاليري جاريت بأنها نسل «الإخوان المسلمين وكوكب القردة». وسارعت شبكة ABC التلفزيونية، التي تعمل فيها بار، إلى التنديد بتعليقاتها وألغت عقدها.
اعتذرت بار من خلال «تويتر»، لكن مؤيديها أغرقوا حسابها على «تويتر» مع الاحتجاجات التي تؤيدها وتضخم من عنصريتها. في البداية، توسلت بار لمؤيديها بأن يتوقفوا عن الدفاع عنها، قائلة إن تغريداتها كانت خطأ، ولا يمكن تبريرها، ثم غيرت موقفها وتقمّصت دور ضحية النخب غير العادلة.
بما أن بار معروفة بتأييدها لترامب (وهو مؤيد لها)، كانت جميع الأنظار مركزة على الرئيس لمعرفة ردة فعله. ولكنه تجاهل الاستياء الذي سببته تصريحات بار، واتهم الشبكة بازدواجية المعايير!
لقد استغرق الأمر جيلين أميركيين لتجاوز العنصرية، التي عبّرت عنها بار في تغريداتها. من المؤكد أن العنصرية لم تختف، لكن الناس تعلموا أن يخجلوا بما يكفي لعدم التصريح بها. وفي غضون بضع سنوات، فتح ترامب الباب على مصراعيه امام المتعصّبين من مختلف الاتجاهات. لقد استخدم لهجة الخطاب هذا لبناء حركة الاستياء، والإساءة ــــ في الوقت نفسه ــــ إلى خصومه، سواء كانوا من الحزب الديموقراطي أو أجهزة تطبيق القانون أو وسائل الإعلام. فهذه هي الطريقة التي بها يتم النيل من الديموقراطيات، وبها يتم تمهيد الطريق إلى الاستبداد. فالخطر ماثل أمامنا.
* تنويه:
وجهات النظر والآراء الواردة في هذه المقالة هي آراء المؤلف، ولا تعكس بالضرورة موقف المعهد العربي ـــ الأميركي؛ فالمعهد منظمة غير ربحية وطنية غير حزبية لا تؤيّد المرشحين.
جريدة القبس الكويتية
أضيف بتاريخ :2018/06/11