واشنطن تستبق معارك الشمال بقمّة هلسنكي
ناصر قنديل
-بمثل ما تأتي القمة الأميركية الروسية تعبيراً عن تحوّل أنتج قراراً أميركياً بجعل القمة استحقاقاً ممكن التحقيق، وهو دائماً كان ممكناً من الزاوية الروسية، وبمثل ما يعبّر هذا التحوّل عن استنفاد الرهانات على إنتاج تغييرات تحملها الانتخابات في لبنان والعراق، أو تغييرات ميدانية في اليمن، أو ضمان منح صفقة القرن فرصة واقعية بتوافر شريك فلسطيني فاعل لتحدث التحوّلات المرجوة منها، فهي ليست تعبيراً عن حاجة راهنة وداهمة في توقيتها على الأميركيين في أيّ من هذه الملفات، التي يمكن التعاطي معها بالواسطة، أو بمتابعة الاستثمار على خيارات الاستنزاف بلا أكلاف صعبة، خصوصاً أنّ الملف الإيراني الذي يربطها جميعاً، يقوم على الحاجة لمزيد من الوقت وفقاً للحسابات الأميركية لتأثير العقوبات، بينما لا يبدو الملف الكوري أمام اختراقات راهنة نوعية تحتاج الإحاطة والرعاية بتفاهم مسبق مع موسكو.
-بالتأكيد سيمنح انعقاد القمة فرصة لفتح مجال للتعاون والحوار والتفاوض والتشارك في الكثير من الملفات التي ينخرط الأميركيون والروس فيها كلّ من زاوية، لكن توقيتها الداهم لم تملِه أيّ من هذه الملفات، بقدر ما تمليه التطورات المتسارعة في سورية، والتي لا يمكن عزل تأثيراتها عن سائر ساحات المواجهة، وصناعة موازين القوى فيها، إلا إذا تمّت إحاطة المتغيّرات السورية بإطار سياسي يعزلها عن سائر الملفات المتداخلة معها، والأهمّ أنّ الروزنامة السورية لا تمنح وقتاً للتجميد. ويعرف الأميركيون من قرار الحسم في الجنوب، أنّ الخطوة التالية ستكون الشمال. وفي الشمال لا توجد فرص للتملص من ثنائية التسليم بالهزيمة والانكفاء أو التورّط في مواجهة لا تعلم نتائجها ولا تداعياتها.
-تعرف واشنطن أنها لم تبلغ الجماعات المسلحة بألا يعتمدوا عليها في حرب الجنوب، كرم أخلاق أو احتراماً للسيادة السورية، بل تفادياً للمواجهة التي لا تريدها وتعرف تبعاتها، كما تعرف أنّ استقرار الوضع في الجنوب لن يتحقق ما بقيت قاعدة التنف، وتعرف أنّ إسرائيل باتت تسلّم مثلها بالعجز عن منع المسار الذي فرضته الدولة السورية، لكن واشنطن تعرف أنها لا تستطيع فعل الشيء نفسه في الشمال دون أن تظهر هزيمتها مدوّية، إلا إذا استبقت معارك الشمال بتفاهمات سياسية، على مستوى يُوحي بأنها كدولة عظمى ترعى حلولاً كبرى، وأن من ضمن هذه الحلول ضمان ما يتصل بالمصالح الأميركية، وهي هنا مصير الوجود الإيراني في سورية، بصورة تتيح الإيحاء بأنّ واشنطن تقبل الانسحاب لأنها أنجزت المهمة، أو تربط انسحابها بهذا الإنجاز.
-قمة هلسنكي نتاج مباشر لروزنامة الحسم السوري المتسارع. ستسعى خلالها واشنطن على مقايضة انسحابها بإنجاز إعلامي لن يكون واقعياً قابلاً للتطبيق بحكم حجم الحلف الإيراني السوري ومرونته وعمقه، تحت عنوان انسحاب إيران من سورية، لكنه حتى إعلامياً يبدو كافياً لحفظ ماء الوجه، وعزل التداعيات عن سائر الساحات، عبر التسليم لموسكو بالدور المرجعي في الحلّ السياسي في سورية، والتسليم بقاعدة هذا الحلّ تحت عنوان سورية موحّدة برئيسها وجيشها، والرهان على تسويق الإنجاز الإعلامي كإنجاز واقعي يخدم المعركة الكبرى التي تخوضها واشنطن تحت شعار عزل إيران والمقاومة ممثلة بحزب الله وإضعافهما.
-قد لا ينتبه الأميركيون إلى أنّ إيران وحزب الله ينتظران ومعهم كلّ قوى المقاومة لحظة نهوض سورية ونصرها، وخروج الأميركيين منها، ليحتفلوا بإنجاز تاريخي بدا في لحظات الحرب القاسية حلماً صعب المنال، ولن تُحجَب الشمس بالغربال.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/06/29