الشرق الأوسط الانتقالي
منصور الجمري
لا تزال الصورة لمنطقة الشرق الأوسط متقلِّبة، وذلك بعد خمس سنوات من انطلاق احتجاجات وثورات الربيع العربي. قد يكون الربيع العربي اختفى عن الأنظار، كما اختفى شبابه الذين أشعلوه، وقد يكون الخريف الطائفي قد أطاح بكلِّ ما طُرح من شعارات حول الحرية والكرامة، ولكن وجهة النظر هذه تنظر إلى فترة خمس سنوات، وهي فترة قصيرة في حياة الأمم.
منطقة الشرق الأوسط تكوَّنت بشكلها الحالي قبل مئة عام، مع توقيع اتفاقية سايكس - بيكو في 1916 بين بريطانيا وفرنسا؛ لاقتسام أراضي الدولة العثمانية التي كانت تنهار وتتصدَّع. ولكن المنطقة تشكّلت من أجل خدمة مصالح القوى الاستعمارية، وبالتالي فإنّ شعوب المنطقة لم تُعطَ فرصة حقيقية لتقرير مصيرها بنفسها.
تشكّلت معالم وحدود الشرق الأوسط بحسب مصالح وحسابات وترتيبات مختلفة عن ما هو عليه الوضع اليوم، وكان السؤال المطروح دائماً عن هوية هذه المنطقة... حركة القومية العربية طالبت بوحدة الدول العربية تحت مظلة «الوطن العربي»، ولكن هذا الوطن بقي حُلماً تغنّت به الشعوب العربية إلى أن أصيب هذا المشروع بنكسة كبرى بسبب هزيمة 1967.
بعد ذلك برزت على السطح الحركات الإسلامية وسيطرت على الشارع الجماهير في معظم الدول العربية في ثمانينات القرن العشرين، ولعلّنا وصلنا إلى القمّة التي يمكن أن تصل إليها هذه الحركات خلال الفترة التي نمُرُّ بها. غير أن ما نتج عن صعود الحركات التي تحمل عناوين إسلامية ليس مُشَرِّفاً، بل إن دين الإسلام الذي يرتبط اسمه بالسلم أصبح الآن - بسبب المتطرفين - يُقرَنُ، ظُلماً، بالإرهاب والعنف وكراهية الآخر. وحتى أدوات العصر الرقمية التي تُستخدَم في كلِّ أنحاء العالم من أجل تنمية المعاني الجميلة للحياة، تحوَّلت إلى أدوات لنشر الشر وكلِّ شيء قبيح ومُدمِّر للبشر.
«الشرق الأوسط الانتقالي» يبحث عن استقرار، وهذا الاستقرار يحتاج إلى تحديد إطار لتعايش أصحاب الهويّات الدينية والطائفية والعرقية والمناطقية والعشائرية... وهذه الهويّات كانت مطمورة في الماضي ولكنها برزت إلى السطح على شكل صراعات حادّة توجِّه خطاباتها العدائيّة لبعضها البعض معتمدةً على سرديّات تاريخيّة متناقضة.
إنّ فترة الاختلاف الحالية تحتاج إلى تحديد أطُر تعاقدية مدنيّة للتعايش المشترك على أساس اختياري، وبعد ذلك ستجد المنطقة طريقها نحو الاستقرار بعيداً عن التطاحُن باسم الدِّين أو الطائفة أو أيِّ أسُس تفريقية مُضرَّة بالإنسانيّة.
الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/02/06