نتائج قمة هلسنكي وخيوط الحلول السياسية في المنطقة
جمال الكندي
الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا قوتان نوويتان على طرفي نقيض، في زاوية النظر إلى قضايا وأزمات المنطقة. هذا التباين في التوجهات بين أمريكا وروسيا قسم العالم إلى ثلاثة أقسام، هذه الأقسام الثلاثة إن صح التعبير هي تيارات فكرية لها جذورها التاريخية تمتد إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، وترتكز على طبيعة العلاقات الدولية بينها.
نحن هنا أمام المحور الروسي وحلفاؤه، وهذا المحور معروف بمحور الممانعة ضد الهيمنة الأمريكية سياسياً واقتصادياً، والخروج من دائرة القطب الواحد إلى دائرة أوسع تتعدد فيها الأقطاب السياسية والاقتصادية.
على طرفي نقيض، وفي الجانب الآخر يوجد المحور الأمريكي وحلفاؤه ، هذا المحور يتباين مع الروس في مسائل عدة منها: كيفية محاربة الإرهاب، والقاعدة التي يعمل عليها هي استثمار ودحرجة كتلة الإرهاب في المنطقة من أجل المصالح السياسية والاقتصادية ، وهذا ما رأيناه في سوريا والعراق، ونموذج “داعش” وغيرها من الجماعات المسلحة هو شاهد على ذلك. فهذه الجماعات هي أداة في يد الأمريكي يحركها كيفما يشاء من أجل الضغط على هذه الدولة وتلك.
إن محاربة الإرهاب بالنسبة لأمريكا وسيلة لتحقيق غرض الهيمنة على المنطقة وتفتيت الجيوش العربية وإشغالها بحروب عبثية.
المحور الثالث هو الذي يقف في النصف بين أمريكا وروسيا ولا يأخذ مواقف حاسمة تغضب هذا المحور أو ذاك، ويتعامل بسياسة دبلوماسية، وحنكة في العلاقات الدولية.
لقاء “بوتين”، “ترامب” الأخير كان بحد ذاته اعترافا أمريكيا بأن العالم لا يدار بقيادة واحدة منفردة في اتخاذ قرارات السلم والحرب كما كان سائداً بعد سقوط منظومة الإتحاد السوفيتي، وقد أدرك الأمريكي من خلال مشاكل وأزمات الشرق الأوسط بوجود لاعب أساس في المنطقة تدور في فلكه دول وازنت في صنع القرار الإقليمي وربما العالمي.
هذا اللاعب أرغم الأمريكي بسبب أزمات الشرق الأوسط أن يملك مفاتيح حل هذه الأزمات، فهو قادر على وضع السلم الذي ستنزل منه أمريكا من سقوفها العالية خاصةً في سوريا، وقضية كيماوي “الغوطة الشرقية” عام 2013م شاهد على ذلك.
أزمة الرئيس “ترامب” تكمن في أنه يجتمع مع الرئيس الروسي وفي جعبته فشل في ملفات كثيرة داخلياً وخارجياً. فشخصيته أصبحت غامضة، ومتقلبة المزاج السياسي، خاصةً مع حلفائه الأوربيين، والتباين بين أمريكا في عهد “ترامب” مع الإتحاد الأوربي بدا واضحاً في الاجتماع الأخير لحلف الناتو في بروكسل حيث، أن “ترامب” هدد بانسحاب من الحلف ، لذلك فقد تم تنفيذ كل طلباته الخاصة بزيادة الإنفاق العسكري من قبل دول حلف الناتو.
في المقابل دخل “بوتين” هذه القمة وفي رصيده انجازات داخلية منها عودة جزيرة “القرم” الإستراتيجية إلى الحضن الروسي، وخارجياً ما حققه مع الجيش السوري، في قلب الموازين العسكرية لصالح الجيش، وهذا بدوره قوى الموقف السوري عسكرياً وسياسياً وأجبر خصوم الرئيس بشار الأسد على الاعتراف به في أي حكومة مقبلة ، بعد أن كان ذلك من المحرمات السياسية.
من الصعوبات التي كانت تحول بين لقاء “ترامب”، “وبوتين” أنه يوجد في العقل السياسي الأمريكي عدو إستراتيجي ثابت بعد الحرب العالمية الثانية وحقبة الحرب الباردة، وهو الإتحاد السوفيتي والذي ورثته روسيا اليوم.
من هنا رأينا قبل الاجتماع وبعده قيادات ديمقراطية وحتى جمهورية تحذر من دفئ في العلاقات بين روسيا وأمريكا في عهد الرئيس “ترامب”، ويعتقد بعض المراقبين لسياسة الرئيس “ترامب” أنه يتعامل بود وحرص شديدين مع الرئيس “بوتين” أكثر من حلفائه في الناتو، وهو ما تعتقد صحيفة “نيويورك تاميز” وتدلنا التصريحات التي أطلقها “ترامب” خلال اجتماع الناتو الأخير على ضعف دول الناتو ومدى استياء “ترامب” منها، واعتبارها ليست نداً قويا لأمريكا. وربما ستتكشف لنا الأمور أكثر من خلال أزمة الاتفاق النووي الإيراني وخروج أمريكا منها منفردةً عن حلفائها الأوربيين.
من هنا كان لزاماً أن يلتقي الرئيس “ترامب مع الرئيس “بوتين” لقاء قمة، يناقش فيه قضايا عدة عالقةً بين الطرفين وتنظر الحلول السياسية والعسكرية، خاصةً في الساحة السورية.
اجتماع “هلسنكي” ولو لم تكن سقوفه الإيجابية كبيرة، ولكن هو كما قلنا اعتراف أمريكي بالدور الروسي في المنطقة، وبأنها مفتاح الحل الرئيس في سوريا، وإيران، وأفغانستان وغيرها ، ومخرجات القمة هي في وضع المعالم الأولية لخيوط الحلول السياسية لهذه القضايا.
ما نراه من تسليم أمريكي بالنظرة الروسية في سوريا تتحقق بدخول الجيش السوري إلى جنوب البلاد، وهذا إعلان بسقوط المشروع الأمريكي الصهيوني الخليجي في سوريا والإنجازات السورية القادمة في الشمال السوري والشرق ستكون نتاج ما توافق عليه الرئيسان الأمريكي والروسي في قمة هلسنكي.
نتائج هذه القمة سترسم معالم التعاون الروسي الأمريكي في حل أزمات المنطقة، وأول مفاعلها ستظهر في سوريا بعد قناعة أمريكية أن الأسد معادلة صعبة لا يمكن تجاوزها ، وهذا الاعتراف لو كان متأخراً بسبب ضغط حلفاء أمريكا ولكنه جاء في نهاية المطاف، وانتصارات الجيش العربي السوري في الجنوب، وقبلها في ريف دمشق تسلم بهذه القناعة.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/07/20