الاضطرابات الاجتماعية في لبنان على الأبواب
د. وفيق إبراهيم
احتمال اندلاع اضطرابات حادة في لبنان لم يعُد بعيداً.
فالمؤشرات الاقتصادية العاكسة للانهيار تتوالى وتنذر بالأسوأ لا سيما أن وسائل السياسيين لاحتوائها جرى استنفادها كلياً.. ولم يعُد الترويج للصراعات الطائفية والمذهبية مفيداً ولا صراعات المحاور وقوى الإقليم والمجوس والمقدس والثأر للأسلاف و»إسرائيل». لقد سيطر الجوع على المشاعر وأصبح الجياع يتساءلون لماذا يمتلك السياسيون والحلقات المتصلة بهم الثروات والكهرباء والنظافة والمياه العذبة والأمان ومصائر الناس أيضاً؟ ويتعجبون كيف أن عشرة في المئة من اللبنانيين فقط يمتلكون 60 في المئة من الثروة الوطنية مقابل انهيار الطبقة الوسطى إلى ما دون العشرين في المئة وارتفاع الدين العام إلى مئة مليار دولار، ليس لربعها ما يوازيه من الأعمال والإنشاءات؟
وهذا يعني اختفاء ثلاثة أرباع الدين العام في جيوب القادرين على السطو عليه. وهم الطبقة السياسية بكامل ألوانها وفئاتها.
هناك اليوم سبعون في المئة من اللبنانيين فقراء أو تحت خط الفقر، يبيعون مدّخرات أسرهم للاستمرار في العيش ولا يجد عملاً من أصل ثلاثين ألف متخرّج سنوياً إلا ثلاثة آلاف فقط، أما الباقون فحتى سبل الهجرة مقفلة في وجوههم.
لبنان إلى أين؟ النفايات في الطرقات تنشر الأمراض. المياه ملوّثة وتلوّث الخضار واللحم والألبان والكهرباء تحت رحمة التحاصص والسمسرات. والأمن مفقود في مزاعم رسمية لا يصدقها أحد والاستثمارات مجمّدة وقطاع البناء يتراجع دراماتيكياً ولولا استمرار دفع الرواتب للقطاع العام لانفجر الوضع منذ سنين. إنّه أسلوب الدفع بالدين الذي يتراكم كأمراض السرطان التي لا تجد أسلوباً لمعالجتها إلا الموت.
بالمقابل هناك سياسيون مرتمون في أحضان التأثير الإقليمي والدولي. يأتمرون بطلباتهم في الداخل اللبناني ويحتمون بهم، من «أي تغيير في لبنان».
تكفي الإشارة إلى أن بلداً متّجهاً لانفجار هائل في الداخل ومهدداً من «إسرائيل» في حدوده وثرواته من الغاز والنفط ولا يسارع سياسيوه إلى تشكيل حكومة تعالج أزمات الداخل وتتصدّى لتهديدات الخارج. وكأن الأمر لا يعنيها والعقبات التي تعترض تشكيل الحكومة معظمها من أصول سعودية وأميركية تريد تطويق حزب الله وحصاره.
أما الأكثر مأساوية فهو اقتراب افتتاح العام الدراسي الجديد بما يعنيه من أعباء جديدة على كواهل الأهالي لجهة الأقساط المرتفعة وأسعار الكتب والنقل واللباس والمصاريف الأخرى.
والسياسيون اللبنانيون لا يأبهون كدأبهم لحاجات الطبقات الفقيرة.
يتقاطع مع هذه الأوضاع تراجع كبير في حركة الاستثمارات الداخلية وانسحاب لافت للأموال نحو مناطق في العالم تشجّع على الأعمال ولا تسطو عليه كحال لبنان، حيث يفرض سياسيوه «خوات» على أصحاب الأعمال تؤدي إلى فرارهم على حساب اضمحلال فرص التوظيف المتواضعة.
يتبيّن بالاستنتاج أن الاستمرار في تعطيل تشكيل الحكومة من الأسباب التي تسرّع الانهيار الكامل، كما تشكيلها بسرعة مع الاستمرار بالنهج الحريري المستمر منذ 26 عاماً، والقائم على تعميم الفساد يؤدي بدوره إلى انفجارات اجتماعية كبيرة.
كيف الحل، إذاً؟
تشكيل حكومة من هذه الطبقة على أن يجري تطعيمها بشخصيات وطنية مستقلة تتولى وزارات المال والاقتصاد والداخلية والخارجية والشؤون الاجتماعية والصحة. وتتخلى عن وزارات «الوجاهات» للسياسيين على أن يحتل رأس برنامجها الاقتصاد ببعدَيْه: البحث عن كل سبل الاستثمار ووقف الفساد بشكل كامل.
ولأن الاقتصاد هو «سياسة» في جوهر الأمر، فهذا يستدعي مناقشة وطنية هامة حول أسباب التدهور الاقتصادي المهدّد بالانهيار. وهي توقف الاستثمارات وإقفال الحدود والمعابر بسبب الأزمة السورية والفساد الذي أدرك حدوداً جنونية وعلنية وألاعيب السياسيين في الخلاف حول استثمار موارد الغاز والنفط، بسبب الصراع على التحاصص والاستسلام للضغوط الأميركية والإسرائيلية… من دون نسيان ضرورة الاتفاق على قرار واحد في موضوع النازحين السوريين ورفض تبني مواقف الغرب والخليج الرافض عودتهم إلى بلادهم.
تبدأ طرق الحل بإجراءات داخلية لوقف الفساد نهائياً ومنع الاستدانة إلا لتلبية الحاجات الأساسية للناس.
أما الخطوة الثانية فتسجّل تحولاً نوعياً نحو عودة الدولة اللبنانية إلى الاهتمام بمصالحها حتى ولو تناقضت مع اهتمامات الحلف الأميركي السعودي.
فكل الخبراء الاقتصاديين يعرفون أن قطاع السياحة والترانزيت والمصارف هو أساس الاقتصاد اللبناني وباني الطبقة الوسطى وهذا يتطلب حدوداً برية مفتوحة من لبنان وسورية والعراق ولبنان وسورية والأردن الخليج. لكن دون هذا الأمر المعوقات السياسية لأن حكومات لبنان المتعاقبة التزمت أوامر خليجية. غربية بالامتناع عن الاتصال بالدولة السورية وصولاً إلى رفض عودة النازحين إلى بلدهم.
ما تسبّب بصعوبات اقتصادية في لبنان وفرض على الدولة السورية المعاملة بالمثل، على الرغم من أن الفريق الحكومي الحاكم يواصل الانتقام من النظام السوري وكان يرعى منظمات أصولية كانت تنطلق بهجمات على سورية من حدود لبنان الشمالية.
لذلك فإن الحل يبدأ بدعوة لبنانية إلى العراق والأردن وسورية، تحت عنوان البحث عن ازدهار اقتصادي ممكن أن يؤدي إلى تحسن أوضاع الطبقات الوسطى في هذه البلدان. وهذه منطقة فيها سبعون مليون نسمة تحتوي على النفط والغاز والمياه والأراضي الخصبة والكفاءات المهنية والعلمية.
كما أنّها ترتبط بين الخليج عند شط العرب في العراق والبحر المتوسط عند السواحل اللبنانية السورية وتحاذي ركيزتي الصراعات في المنطقة أي السعودية من جهتي الأردن والعراق وإيران من الناحية العراقية فيصبح عديد المنطقة نحو مئة وسبعين مليون نسمة.
إذاً، مثل هذا التفكير يؤدي إلى حلول اقتصادية دائمة وواسعة لبلدان مثل لبنان والأردن الفقيرتين وتؤسس للمنطقة الأهم في المشرق اقتصاداً وسياسة.
وهذا يحتاج إلى إعادة بناء الثقة المفقودة بين لبنان وسورية، فكيف يمكن لدمشق أن تقبل بفتح الحدود معها من لبنان إلى الأردن وتنسى ما تفعله بها حكومات لبنان الحريرية والسياسات الأردنية التي أسهمت في دعم المعارضات الإرهابية في محافظة حوران.
لذلك، فإن الرئيس القوي لا يكون قوياً إلا بقوة بلده ولا تأتي هذه القوة إلا بعلاقات عميقة مع سورية على أساس اقتصادي إذا كان التحالف السياسي ممنوعاً في هذه المرحلة.
فهل يكشف الرئيس عون عن قوته ويعرض تقارباً مع سورية يمنع الانهيار الاقتصادي وفشل عهده؟
إنّه جدي في هذا الأمر. وهذا ما ينتظره اللبنانيون.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/07/20