السفير السعودي يتطاول على تونس دون ردع سياسي أو إعلامي
محمد بوسنينة
استغربت صمت الإعلام التونسي والطبقة السياسية إزاء تدخل السفير السعودي في شأن داخلي لتونس في الأيام القليلة الماضية. هذا الصمت كان مطبقا إزاء إقحام شخص أجنبي لنفسه في ما لا يخصه ولا يعنيه من قرارات أو توجهات لتونس ومواطنيها، لا حق له مطلقا حتى أن يفكر فيها.
فردود فعل فئة سياسية محددة كانت معنية مباشرة بالموضوع لم تكن كافية وحدها، ولا كانت كافية بعض التعليقات المحتشمة في شبكات التواصل الإجتماعي. لأنها لم تسند بردود الفعل المطلوبة.
ولّى زمن السيادة
لكن الزمن الذي كانت فيه السيادة الوطنية لتونس خطا أحمر لا يتجاوزه المتطفلون ولّى ومضى، وأصبح لبعض صغار العالم من منظمات وأفراد وغيرهم إمكانية أن يقحموا أنوفهم في شؤون تونس، فينتقد بعضهم تشريعاتها، ويقدم البعض الآخر رأيا وتقييما لسياساتها، ويناقش آخرون اللجان البرلمانية في أعمالها.. ولّى الزمن الذي سمعت فيه وزيرة الخارجية الأمريكية على الهاتف ما لم تتوقعه في سنة 2009 بسبب تدخلها في موضوع حقوق الإنسان، وولى الزمن الذي كانت فيه التنظيمات «الإنسانية» أو الإعلامية التي تخيف دولا أخرى تردع مباشرة في ما تزعم، وتتخذ لها مكانا في طابور انتظار السماح لها بدخول تونس.. لكن ماذا نفعل، إنه تغير الأزمان.
تدخل السفير السعودي إذن في الأيام الأخيرة، كان قراره أن يلغي البرلمان التونسي تعيين نائبة تونسية من عضوية لجنة برلمانية تونسية خليجية أو أن تلك اللجنة ستكون قد ولدت ميتة… هكذا.
والسبب أن لهذه النائبة مواقف مناهضة لسياسات المملكة وتدخلاتها في العالم العربي الإسلامي، وكذلك إزاء قضية فلسطين. ولكن يبدو أن المملكة لا تحتمل نقدا ولا رأيا مخالفا يتعارض مع سياساتها إزاء العرب والمسلمين.
إلا أن مواقف النائبة المعنية هي مواقف محقة. ومن حيث المبدأ فلها الحق في أن تبدي آراء وتقييمات سياسية أو برلمانية وتعبر عنها، وليس للسعودية ولا لسفيرها الحق في قمعها أو محاولة إسكاتها ما دام ذلك يتم داخل تونس وهيئاتها وفي إطار سياساتها حتى لو كانت سياسات خاطئة. ولا يستقيم موقفه بإلزام تونس بعدم تعيين النائبة المعنية بالهيئة البرلمانية التونسية الخليجية.
فمجرد التفكير في التدخل لتغيير ما في شأن تونسي أو ما يحدث في تونس أو الضغط على من يمارسون الشأن الوطني فيها، أكانوا سياسيين أو إعلاميين أو غيرهم هو تدخل لا يمكن قبوله في الشأن الداخلي بحسب ما هو متعارف عليه بين الدول.
ولا يهمنا هنا أن يصحّ ذلك أو لا يصحّ عن دول الخليج التي قمعها سفير المملكة المعظمة مباشرة بنفس المناسبة، عندما هدّد بوأد اللجنة التي تهم برلمانات الخليج، إن كان يصح القول بأنه توجد هناك برلمانات، مع تحفظ إزاء الكويت، وخصوصا «البرلمان السعودي» الذي لا علاقة له بالفكر البرلماني. لكن ليكن يا جناب السفير ! فماذا يعني أن تولد تلك اللجنة ميتة؟ وما الذي سيتغير؟ فأية هيئة أو مركز أو لجنة أو منظمة نعرفها أو نسمع عنها ولم تكن أصلا ميتة وموؤودة؟ أي من كل ذلك كان حيّا يرزق وينفع الناس، أو ينشط ويستفيد منه حقا العالم العربي الإسلامي؟ أهي جامعة الدول العربية الميتة سريريا منذ عقود إلا أن يقع إحياؤها ظرفيا لتدمير دولة عربية هي عضو فيها وربما مؤسس كالعراق أو سوريا أو ليبيا أو اليمن؟ أم هي منظمة الطاقة الذرية التي لا طاقة لها أصلا في زمن تصارع الطاقات؟ أم هي رابطة العالم الإسلامي؟ أم المشاريع الموجهة لفلسطين، وآخرها ما نسمع ونقرأ عما يبيّت في الخفاء من سيطرة على المسجد الأقصى، وافتكاك الإشراف عليه من ملك الأردن، في تزامن مريب مع انتقال السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
لا أثر للمال السعودي في تونس
إضافة إلى ذلك، كان سعادته لمّح إلى مزايا ومنن السعودية على تونس وما قد يكون سبق أن قدّمته لها من خيرات. لكن الحقيقة هي غير ذلك عن هذه المزايا والمنن.
الحقيقة التي يعيشها شعب تونس أنه لم يستفد مطلقا وفي أي شأن من الشؤون وبأي مقياس من المقاييس من هذه المنن والمزايا التي لا وجود لها على أرض الواقع، بل على العكس عانى الكثير من الدمار والخسائر المادية والبشرية بسبب الوهابية، التي كان ما قاله له بشأنها وزير الشؤون الدينية السابق السيد عبد الجليل بن سالم أقل ما يمكن أن يقال عن تلك الوهابية المقيتة، رغم ما يبدو من أن السفير كان يتبجح بأنه سيسقط هذه النائبة كما كان وراء عزل ذاك الوزير. لا أريد أن أطيل في موضوع مساعدة السعودية لتونس الذي لا يتجاوز أحاديث الصالونات السياسية وشاشات التلفزيون، لكنني أذكر هذه الحادثة التي لا بدّ أن السفير على علم بتفاصيلها. فقد أخبرني في أواسط التسعينيات مصدر كان وثيق الصلة بملف العلاقات بين البلدين أن السعودية وفي إطار الضغط على تونس بسبب مواقفها من حرب الخليج الأولى أوفدت وزير ماليتها ليطلب إعادة جدولة ديون واستثمارات وتمويلات بلاده في تونس في اتجاه الدفع المبكّر والتقليص من الآجال إلى الحدّ الأقصى. لكنه فوجئ بأن دولة تونس آنذاك كانت فعلا سيدة على أرضها ولا تخضع للضغط أو الإبتزاز، فأمدّته فورا بشيك يحمل مبلغا يغطّي جميع تلك الديون والاستثمارات والتمويلات إلى ذلك اليوم. وقد أصيب الوزير بالوجوم ولم يستطع أن ينبس بكلمة من وقع المفاجأة. وقيل له إن تونس الفقيرة والتي لا تملك لا بترولا ولا معادن تحت الأرض تقدّم الدعم والمساعدة للمملكة السعودية الغنية والتي تمرّ بضائقة مالية… وانتهى إلى ذلك الحين كل دين أو مال سعودي في تونس من أي نوع كان. فيا جناب السفير، لمعلوماتك أنا لست شيوعيا ولا قوميا ولا شيعيا، لكنني تونسي مسلم سنّي، أنتمي لهذا الشعب الذي اكتسب عظمة لن تبلغها السعودية مهما فعلت، فلا تتطاولوا على عظمة تونس وشعبها.
جريدة القدس العربي
أضيف بتاريخ :2018/07/28