مجازر اليمن... أين الأمة وأين الإنسانية؟
هشام الهبيشان
تزامناً مع استمرار طائرات العدوان السعودي – الأميركي ومن معه وبوارجه ومدفعيته في القصف المتواصل على مدار اليومين الماضيين، والذي تسبّب باستشهاد وإصابة عشرات المدنيين في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة، وما يجري في الدريهمي سبقته مجزرة دموية ارتكبها تحالف العدوان على اليمن باستهداف حافلة لنقل الأطفال في صعدة شمالي اليمن، وضرب مستشفى الثورة بعمق الحُديدة إلخ… ومع كلّ هذا ما زالت حالة الصمت العربي والإسلامي والدولي مستمرة إزاء ما يجري في اليمن من حصار وقصف شامل براً وبحراً وجواً تفرضه قوى العدوان والتحالف على اليمن، ومن هنا بدأت يتضح لليمنيين أنّ الرهان على العالم العربي والإسلامي وما يسمّى بالمجتمع الدولي، ثبت أنه رهان فاشل، ولكن هنا والأهمّ اليوم، هو أن ندرك أنّ هذه المرحلة وهذا الحصار والقصف الشامل المفروض على اليمن «العروبي المسلم» وما سيتبعه من مراحل دقيقة من تداعيات الحرب العدوانية على اليمن، تستدعي بكلّ تطوراتها وأحداثها من الجميع أن يقفوا وقفة حق مع ضمائرهم، وأن لا يكونوا شركاء في مشروع التدمير والتمزيق والإجهاز على اليمن، فالحدث الجلل والحصار والقصف الشامل على اليمن يستدعي حالة من الصحوة الذهنية والتاريخية عند كلّ العرب والمسلمين، فالمرحلة لم تعد تحتمل وجود مزيد من الانقسام والتفتيت والتمزيق لهذه الأمة جغرافياً وديمغرافياً.
وعند الحديث عن المجزرة الأخيرة في صعدة، والتي استهدفت حافلة اطفال، فقد نشرت صحيفة «نيويورك تايمز- الأميركية» تقريراً تحت عنوان «44 قبراً صغيراً تثير أسئلة حول السياسة الأميركية في اليمن» التقرير مترجم من قبل وكالة أخبار عربية ، تتحدّث فيه عن الغارات الجوية التي شنّها تحالف العدوان بقيادة السعودية، التي قتلت عشرات الأشخاص، بينهم أطفال، في مدينة صعدة شمال اليمن، وتقول الصحيفة إنّ «الأطفال حشروا أنفسهم في الحافلة، حيث جلس ثلاثة في كلّ مقعد، في الوقت الذي جلس فيه الذين جاؤوا متأخرين في الممرّ بين صفي الكراسي، وكان الأمل والفرح يملؤهم ويتطلعون للرحلة الميدانية، وبدأوا في الحديث بصوت عال، لدرجة أنّ طفلاً طويلاً كان يحاول أن يثير انتباههم حين وضع يديه على أذنيه وصرخ، وبعد ساعات كانوا جميعاً موتى»، ويشير التقرير، إلى أنه عندما توقفت الحافلة في القرية الفقيرة ضحيان لشراء مقبّلات، فإنّ تحالف العدوان الذي تقوده السعودية شنّ غارة جوية، ضربت الحافلة بصاروخ، وحوّلتها إلى حديد ملتو، ونثر ركابها ما بين جريح ونازف وشهيد تحت الشارع، بحسب شهود العيان والآباء، وتنقل الصحيفة عن طفل مغطى بالدم، قوله: «رجلي ملتوية»، وكان يفحص طرفه الذي تضرّر، وقال في فيديو التقط في مكان الحادث: «لقد ضربتنا طائرة»، فيما قال المسؤولون الصحيون اليمنيون إنّ 54 شخصاً استشهدوا، بينهم 44 طفلاً، بالإضافة إلى عدد كبير من الجرحى، ويلفت التقرير إلى أنّ تحالف العدوان على اليمن فشل حتى هذا الوقت في تحقيق أهدافه، وتورد الصحيفة نقلاً عن منظمات حقوق الإنسان، قولها إنّ الولايات المتحدة لا يمكنها إنكار دورها في الحرب على اليمن، خاصة أنها باعت أسلحة بمليارات الدولارات إلى دول التحالف، وقدّمت لها الدعم الأمني، وزوّدت طائراتها بالوقود أثناء تحليقها في الجو.
الصحيفة ذاتها وفي تقريرها أكدت، أنه بعد أيام من الغارة على ضحيان قدّم السكان قطعة معدنية تكشف عن أنّ القنبلة مصنوعة في أميركا، من «جنرال داينمكس»، ولم تتأكد الصحيفة إنْ كانت القطعة من القنبلة، وزنتها 500 رطل، التي استخدمت في الغارة، مستدركة بأنّ بقايا القنابل المصنّعة أميركياً عادة ما يُعثر عليها في أماكن الغارات في اليمن، وتؤكد الصحيفة في تقريرها أيضاً أنّ شركة التعهّدات الدفاعية «ريثيون» حاولت في الوقت ذاته التأثير على المشرعين بوزارة الخارجية الأميركية من أجل السماح لها ببيع 60 ألف قنبلة دقيقة للسعودية والإمارات، في صفقة بمليارات الدولارات انتهى الاقتباس من تقرير صحيفة نيويورك تايمز – الأميركية ، وهو ما يهدّد بمزيد من المجازر الدموية في اليمن وبدعم من أميركا.
وفي وقت ما زالت أصداء العدوان السعودي الأميركي على اليمن تأخذ أبعادها المحلية والإقليمية والدولية، عادت من جديد قوى العدوان لتكثف من عملياتها الجوية بالشمال اليمني رغم فشل جميع عمليات الزحف الميداني البري وخصوصاً باتجاه الحُديدة، هذا الفشل ومحاولات التعويض بالميدان في حجة وصعدة وغيرها، من قبل أطراف العدوان بدأت تأخذ بمجموعها عدة مسارات على صعيد المسار الدموي الكارثي لهذه العمليات العدوانية، وهنا يلاحظ كلّ متابع لما يجري باليمن كيف بدا بشكل واضح أنّ تداعيات الحرب العدوانية على اليمن بدأت تأخذ مسارات خطيرة جداً، وبهذه المرحلة لا يمكن لأيّ متابع لمسار تحركات الحرب العدوانية السعودية – الأميركية على اليمن أن ينكر حقيقة أنّ هذه الحرب بطريقة عملها ومخطط سيرها ستجرّ المنطقة بكاملها إلى مست
نقع الفوضى والاحتراب، والكلّ يعلم أنّ المستفيد الوحيد من التداعيات المستقبلية لهذه الحرب هو الكيان الصهيوني، ومع كلّ هذا وذاك ما زالت طبول حرب قوى العدوان تقرع داخل حدود اليمن براً وبحراً، وطائرات «الناتو الخليجي» تغطي سماء اليمن، والقصف يستمرّ والجوع يستمرّ ويموت أطفال اليمن ونساؤه ورجاله، ونستعدّ بفضل وبركة «ناتو الخليج» لخسارة وحدة بلد عربي جديد هو اليمن.
في هذه المرحلة يبدو واضحاً، أنّ تداعيات الحصار والقصف الشامل والعدوان السعودي – الأميركي على اليمن بدأت تلقي بظلالها على الوضع المعيشي في الداخل اليمني، فاليوم جاء المشهد اليمني ليلقي بكلّ ظلاله وتجلياته المأساوية واقعاً جديداً على الواقع العربي المضطرب، فيظهر إلى جانب هذا المشهد العربي المضطرب واقع المشهد اليمني بكلّ تجلياته المؤلمة والمأساوية، والتي ما زالت حاضرة منذ اندلاع الحرب العدوانية السعودية – الأميركية على الشعب اليمني قبل ما يزيد على ثلاثة أعوام، وفي آخر تطورات هذا المشهد استمرار فصول هذا العدوان العسكري على الأرض، تاركاً خلفه آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى ودماراً واضحاً وبطريقة ممنهجة لكلّ البنى التحتية في الدولة اليمنية.
ختاماً، يمكن القول إنّ المشهد اليمني يزداد تعقيداً مع مرور الأيام، ولقد أسقطت حرب «ناتو الخليج» الأخيرة على اليمن الكثير من الأقنعة التي لبسها البعض من العرب كذباً ورياء وتملقاً أحياناً، وأحياناً أخرى بهدف تحقيق بعض المصالح الضيقة والسعي إلى اكتساب شعبوية كاذبة مزيّفة، فالبعض ذهب مرغماً إلى هذه الحرب لارتهانه لمشروع ما أو بهدف الانتفاع الشخصي، والتفاصيل تطول هنا ولا تقصر، ففكرة «الناتو الخليجي» الجديد، وأن يكون اليمن هو الساحة الأولى لاختبار نماذج نجاحات هذا «الناتو الخليجي»، فكرة حمقاء ولعينة بكلّ المقاييس، وستكون لها نتائج كارثية وتداعيات خطيرة على المنطقة كلّ المنطقة.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/08/28